الجمهورية الصحراوية العمق الإستراتيجي والأمني للجزائر وموريتانيا
منذ
العودة إلى الكفاح المسلح في الصحراء الغربية في 13 نوفمبر من الشهر الجاري، بدأ الحديث بشكل أعمق عما يعنيه المفهوم الجيوستراتيجي بالنسبة للجزائر وموريتانيا، عقب دخول المغرب في المنطقة العازلة من الصحراء الغربية وخرق وقف إطلاق النار.
ولا يستبعد بعض المراقبين أن يكون إقدام الرباط على هذه الخطوة، جاء بعد أن حصلت على موافقة من فرنسا في أعقاب زيارة وزير الخارجية الفرنسي إيف لودريان في 9 نوفمبر من الشهر الجاري إلى الرباط.
و تشير بعض المصادر المطلعة في الجزائرأن
الخرق المغربي السافر لوقف إطلاق النار، تحدي أمني وقومي للبلاد، وهو ما افادت به بعض وسائل الإعلام الجزائرية التي نقلت عن مسؤولين أمنيين، ولأول مرة، قولهم أن أمن الجزائر القومي يتعدى حدودها الجغرافية.
و مثلما ترى جبهة البوليساريو في المغرب تهديد وجودي لها، فإن الجزائر، هي الأخرى، ترى في المغرب تهديدا لأمنها القومي وسلامتها الإقليمية.
الرباط شنت حربا ضد الجزائر في عام1963، بعد مضي عام على استقلالها، مدفوعة بأطماع توسعية إقليمية، و لم تصادق، إلى حد الساعة، على ترسيم الحدود معها. ويبقى تهديد الجار الغربي للجزائر قائما، ويشكل مصدر خطر أمني واستراتيجي حقيقي، قد يكون أكبر من ذلك الماثل في ليبيا ومالي.
وإذا أخذنا بعين الإعتبار الحسابات الجيواستراتيجية، فإن الجمهورية الصحراوية لا تشكل عامل توازن واستقرار في المنطقة فحسب، وإنما عمق استراتيجي وأمني لا غنى عنه للجزائر.
موريتانيا هي الأخرى تواجه تحدي أمني وإستراتيجي، ربما أكبر من الجزائر وأقل من الجمهورية الصحراوية، وذلك راجع إلى مطالب المغرب التاريخية بها.
في خضم أزمة الكركرات، صدر تصريح عن موريتانيا أدلى به الناطق الرسمي بإسم الحكومة الموريتانية سيدي ولد سالم، إذ إكتفى بالقول إن أزمة الكركرات تتعلق بمنطقة منزوعة السلاح وأن نزاع الصحراء الغربية ” نزاع قديم لسنا طرفا فيه لكن معنيون به بوصفنا جيران للأطراف”.
هذا التصريح وإن كان لا يخرج عن الموقف الموريتاني الذي يتبنى ما تراه هذه الأخيرة بالحياد الإيجابي، إلا أنه لا يشير إلى المخاطر الأمنية والإستراتيجية التي قد تتهدد البلاد.
بيد أن
موقع زهرة شنقيط الموريتاني افاد يوم 21 من الشهر الجاري نقلا عن ما وصفها بمصادر بالغة الإطلاع “تحفظ موريتانيا على الإجراء المغربي الأخير” عقب زيارة المدير العام للأمن الفريق مسغارو ولد سيدي إلى الجدار الرملي الذي بنته الحكومة المغربية، والذي حسب ذات الموقع “اقترب من الحدود الموريتانية بشكل غير مسبوق بتاريخ الصراع الدائر”.
ولا يخفى على المطلعين الخطر الذي يمثله المغرب على موريتانيا، فعندما شارك الرئيس الموريتاني الراحل المخطار ولد داداه في تقسيم الصحراء الغربية مع ملك المغرب الحسن الثاني بموجب اتفاقية مدريد عام 1975، لم يكن طمعا في ترابها و وخيراتها، مثلما هو حال المغرب، بل جعل المغرب بعيدا عن حدود موريتانيا وعن أمنها القومي.
وقد طرحت موريتانيا إبان إتفاق السلام المبرم مع جبهة البوليساريو في عام 1979 بالجزائر العاصمة فكرة أن يبقى إقليم واد الذهب تحت إدارة الأمم المتحدة، من أجل نفس الهدف وهو إبقاء المغرب بعيدا عنها.
ولا يغيب عن أذهان الكثيرين أن المغرب ظل لسنوات يعتبر موريتانيا جزأ لا يتجزأ من ترابه، وطالب بها من سنة 1960 إلى غاية 1969، وعلمها يرفرف في الأمم المتحد ومنظمة الوحدة الافريقية.
ولا يزال وجدان المغرب وذاكرته الجماعية تحن إلى موريتانيا، ويتجلى ذلك، بين الفينة والأخرى، في تصريحات رجال الدين والمسؤولين السياسيين المغاربة و غيرهم . .
"ما يحبوش الرجال"
وقد أعرب ملك المغرب محمد السادس في خطابه بمناسبة ما يسمونه في المغرب “بالمسيرة الخضراء” في 6 نوفمبر 2015، أن “حلمه يكمن في بناء خطة للسكة الحديدية، من طنجة إلى لغويرة”، لربط المغرب بإفريقيا، ودعى المولى أن يمده بالموارد المالية التي تمكنه من تحقيق ذلك الحلم . .
"يا خي حالة ياخي"
وأفادت مصادر جد مطلعة أنه سبق لوفد مغربي رفيع المستوى زيارة نواقشوط ومطالبته بمنطقة لغويرة. ويرى بعض المراقبين أن المغرب كان يطمح إلى بناء ميناء في المنطقة .
وفي كلمة ألقاها أمام أعضاء حزب الإستقلال المغربي بتاريخ 25 ديسمبر 2016، قال حميد شباط الأمين العام السابق لحزب الإستقلال أن “موريتانيا أصبحت دولة وهي أراضي مغربية محضة”. وعلى الرغم من أن هذا التصريح كلفه منصبه، إلا أن نوايا الطبقة السياسية المغربية يجمع جلها على أن موريتانيا جزأ من المغرب.
ويتبنى أحمد الريسوني رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وهو مغربي، نفس الأطروحة عندما قال في 17 مارس 2017 إن “موريتانيا طارئة للأسف، وأي واحد فيه الروح الإسلامية من موريتانيا يعتبر نفسه مغربي”.
فتح المغرب لثغرة الكركرات غير الشرعية في ماي 2001 على بعد 5 كلم من الحدود الموريتانية، قد يكون ساهم في ضمان بعض أمن موريتانيا الغذائي، لكن وضع أمنها القومي وسلامتها في مأزق حقيقي. الآن، وبعد أن خرق المغرب وقف إطلاق النار يوم 13 نوفمبر من الشهر الجاري، وبناء جدارجديد باتجاه مدينة نواذيبو الحيوية، فانه بات أقرب إليها من حبل الوريد.
وعلى الرغم من أن المغرب اصبح يتعايش مع حقيقة أن موريتانيا دولة مستقلة، إلا أنه يسعى جاهدا إلى التأثير على سيادة البلاد وأمنها.
خطورة المغرب، دفعت مجموعة دول غرب افريقيا ECOAS إلى رفض طلبه بالإنضمام إليها، لأنها رأت فيه تهديد لمصالحها وأمنها، ونافذة للإستعمار الفرنسي في المنطقة. هذا على الرغم من إستثمارات المغرب، والإغراءات المالية، والحوافز الاقتصادية، وتجارة المخدرات،و الأغلفة المالية، وشراء رجالات الأمن و السياسيين التي ينتهجها في تلك الدول.
استمرار موريتانيا فيما ترى أنه الحياد الإيجابي الذي تريد من خلاله أن لا تخسر أحد الأطراف، وتربح مع الجميع، يضع أمنها القومي، هذه المرة، على المحك، إن لم نقل مهددا.
التحديات الأمنية والإستراتيجية التي تمر بها المنطقة، قد يتحول فيها الحياد الإيجابي إلى خطر على مصالح الدولة. فموريتانيا تشهد على حدودها أكبر تهديد أمني وإستراتيجي منذ استقلالها عام 1960، وهو الأمر الذي سعى الآباء المؤسسون في موريتانيا إلى درأه بما أوتوا من قوة.
هذا التحدي الإستراتيجي يضع موريتانيا أمام خيارين كلاهما يترتب عنه ضرر سياسي: الأول الرهان على ما تراه أمنها الغذائي وبعض المصالح الاقتصادية مع المغرب، أو
أمنها القومي وعمقها الإستراتيجي مع الجمهورية الصحراوية.
في ظل هذه الحسابات الإستراتيجية، تأتي مكالمة ملك المغرب مع الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني، التي تهدف إلى تقديم تطمينات وإظهار الود لموريتانيا بشأن علاقات حسن الجوار والمصالح المشتركة بين البلدين.
أمام هذه الوضعية،
هل ستراهن موريتانيا في نهاية المطاف على ما ترى أنه أمنها الغذائي أم أمنها القومي؟
الكاتب والباحث الأكاديمي بله لحبيب بريكة.
الجمهورية الصحراوية العمق الإستراتيجي والأمني للجزائر وموريتانيا، مقال للباحث الأكاديمي والكاتب الصحراوي بله لحبيب بريكة
elportaldiplomatico.com