- إنضم
- 27 فبراير 2015
- المشاركات
- 6,570
- مستوى التفاعل
- 29,291
- النقاط
- 113
الأخوة في المنتدى
هذه الدراسة التي قدمها الباحث و الصديق مهيد عبيد هي نموذج غير عادي لجوهر الدراسات الجيوسياسية القائمة على مبدأ ان على من يريد ان يكون رايا في السياسة فعليه بالنظر الى الخريطة و التاريخ و هكذا نجد التحالف السوري الروسي نموذجا لا يلتفت البعض اليه كثيرا كونه لم يحظى بدعاية تبهرج الموضوع و تسوق له لغاية ما تبين القوة الهائلة و العميقة الكامنة وراءه و التي تخفى على الكثيرين من ضعيفي المعرفة بواقع الجغرافيا و التاريخ الذي يحكم البلدين و هذه الدراسة ألقيت كمحاضرة في سورية و في لبنان و في ايطاليا و كذلك في جامعة أدنبرة و حتى في جامعات أمريكية و مراكز بحوث كما القيت ايضا في تشانج هاي و في مركز الدراسات الاستراتيجية بكانبيرا و كذلك جامعة ماكواري في سيدني فضلا عن جامعة سان بطرسبرج و جامعة موسكو و كذلك معهد الدراسات الاستراتيجية بموسكو.
طبعا البعض اعترض على فكرة النشر على حلقات سابقا لكن من المؤكد بكون اعطاء اي مسالة طابعا تقريريا مطولا يسبب شيئا من الملل لدى المطلع و لدى البحث عن تحليل لحدث معين فهناك تفصيلات قد تتطلب مناقشتها مع القراء سواء أعضاء أو زوار و كذلك فمن المؤكد بكون هذه الدراسة كمحاضرة قد ألقيت في أوائل عام 2012 و نظرا لجديتها فهي تبدو ملتصقة بصورة لافتة بالواقع الحالي الذي يجري الآن و بدون مبالغة فهي تشير الى استقراء الكاتب بصورة كبيرة لجوهر العلاقة السورية الروسية و معرفته العميقة بخفايا و اسرار العمل الحقيقي بين الدولتين الحليفتين.
الحلقة الأولى:
لقد سقطت مؤخرا كافة التحليلات التي تحدثت عن فورية انهيار التحالف السوري الروسي بسبب الأزمة التي تجري على أراضي سورية و التي تدخلت فيها أطراف عربية و إقليمية و دولية و كانت مراجع كثيرة تتحدث باستمرار عن صفقة سرية قامت روسيا بموجبها بالتخلي عن هذا التحالف و ذلك بمقابل لم تعلن عنه كل هذه المراجع و لم تعطي عمليا أية تفصيلات عن حدوث الصفقة المزعومة و مجرياتها و لقد استشهد\ت كتابات و مصادر كثيرة بما جرى ليوجوسلافيا و العراق و أخيرا ليبيا كدليل على تواطؤ روسيا و استعدادها للتخلي عن أي حليف مقابل ثمن ما و بعد أكثر من مضي عشرة أشهر على كافة الأحداث التي شهدتها سورية و المنطقة خفتت نبرة معظم الأبواق الإعلامية التي كررت بصورة مستمرة الحديث عن هذه الصفقة المزعومة.
مستويات العلاقات السياسية بين الدول:
تخضع العلاقات بين الدول إلى مستويات تحكمها و تؤطر مدى جدية و قيمة العلاقة ضمن عدة مستويات أكثرها شيوعا هي العلاقة التفاعلية العادية التي تتضمن اعترافا متبادلا و تمثيلا دبلوماسيا صغر حجمه أو كبر فهو تفاعل يجري على مستوى القمة يلتقي فيه المسؤولون الكبار في الدولتين بعض الأحيان لكنه يفتقر غالبا إلى أية مصالح واسعة و تفاعلات يومية و مستمرة و يكون غالبا مقتصرا على تبادل برقيات التهاني بين المسؤولين و حضور الدبلوماسيين للحفلات الرسمية و يكون نطاقه الاقتصادي و الشعبي محصورا في إطار المبادرات الفردية غالبا فحسب مع ملاحظة كونه قد يخضع أحيانا لحالات من النمو و الانكماش تبعا للأحداث التي قد تجري و مثال بارز على حدوث قفزة نمو في هذا الإطار هو تصاعد العلاقات بين مصر و الاتحاد السوفييتي على اثر صفقة الأسلحة التي جرت عام 1955 و تطورها بعد ذلك بصورة كبيرة أما المستوى الأكثر أثرا من ذلك فهو محكوم غالبا بتفاعل تاريخي و بشري بين الدولتين يتبعه بالطبع تفاعل اقتصادي خاصة بحال كون الدولتين على تماس جغرافي و قد يكون هذا التفاعل أيضا خاضعا لعدة تقلبات بين الصعود و الهبوط بحسب ظروف الوضع الاقتصادي و السياسي و الذي قد يأخذ بعدا توافقيا أو تنافسيا بل و عدائيا أحيانا لكن بسبب بعض من العوامل البنائية بين الدولتين فقد يكون مستحيلا إلغاء العلاقة التواصلية أو العدائية فمثلا لا يمكن فصل العلاقة بين سورية و لبنان برغم أية تغييرات ظرفية قد تؤدي لصعود هذه العلاقة و هبوطها و كذلك بمثال أخر فالعلاقة العدائية بين تركيا و أرمينيا هي واقع يبدو من المستحيل تغييره في عقود طويلة؛ المستوى الثالث و هو الأكثر حساسية هو العلاقة الاستراتيجية فتشمل الكثير من الجوانب فمنها ما هو اقتصادي أو اجتماعي أو جغراسي و بالطبع العسكري فضلا عن البشري الديموجرافي و التاريخي و كلها تتشابك بوقت واحد و إن برز أي منها بصورة أكبر من البقية و هذا المستوى ينطبق على علاقة سورية و روسيا بصورة كبيرة للغاية.
النماذج الثلاثة يوجوسلافيا – العراق - ليبيا
التحالف بين دولتين يقتضي بالطبع حالة تفاعلية واسعة و كبيرة و لها إطار تاريخي و ثقافي فلا يكفي أن تستورد دولة من الأخرى منتوجا معينا لتتحول العلاقة بينهما إلى ما يسمى تحالفا لعله من الضروري التوضيح بأن الأمثلة الأربعة التي استخدمتها بعض الأبواق الإعلامية لا تنطبق مطلقا على كلمة تحالف بصورة جدية فيوجوسلافيا كانت علاقتها مع روسيا منذ أيام الدولة السوفيتية و ما قبلها مقتصرة على علاقة تاريخية تربط كنيستي الدولتين فقط ثم جرى استخدامها كعذر لحماية روسيا للقومية الصربية في زمن القياصرة في حين أن الموضوع بأكمله كان يتعلق بالوصول إلى المياه الدافئة كمنفذ لفتح الأبواب أمام روسيا القيصرية فحسب ثم تطورت العلاقة بينهما إلى حد العداء في الزمن الستاليني و تراجعت حدة التنافس العدائي بعدها لفترة لكن الحساسية الدائمة ميزت العلاقة بينهما بسبب موقف يوجوسلافيا في كتلة عدم الانحياز و التي كانت هي أحد بناتها ثم تطورت الأمور داخل يوجوسلافيا ذاتها لتتحول إلى حالة من التفكك و الحرب الأهلية الكبيرة و التي فشل من خلالها النظام السياسي ليوجوسلافيا في أن يتطور و يتماسك في مواجهتها فتحول الجيش اليوجوسلافي إلى شراذم متطاحنة تتبع القوميات الست في الدولة السابقة و يبدو أخر الأمر تصورا غير واقعي نهائيا أن تدافع روسيا عن حليف محتمل لا تعرف شيئا عن مصيره؛ أما العراق فهو في سياسته الخارجية نموذج الفصام المستمر عن الواقع فلقد\ وصل الأمر بالقيادة العراقية إلى خوض حربين مستمرتين و كبيرتين بدون أي استئذان أو تفاهم مع الحليف المفترض فبكل بساطة لم يكن هناك ما يشبه أي مستوى من التحالف عمليا منذ زمن الدولة السوفيتية و حتى العقد السابق الذي كان فيه العراق قد أصبح بلدا محطما منهكا لا قيمة له لا اقتصاديا و لا سياسيا و لا حتى عسكريا أما لجهة الأسلحة و توريدالتها فهي كانت جزئية غالبا و بمعظمها نسخ بولندية لأسلحة سوفيتية و البعض الأخر تشيكية و قسم أخر صيني و هناك سبب تاريخي جعل السوفييت حذرين في تزويد العراق بأية تقنيات متقدمة و هو بتأثير حادثة الخيانة التي جرى فيها خطف طائرة الميج-21 عام 1966 إلى الكيان الصهيوني و لا يبدو معقولا أن يدافع أحد عن حليف مهزوم سلفا و مستعد في أية لحظة على الإقدام على أية مغامرات عسكرية ضد جيرانه أو صفقات سياسية مع أعداء الدولة الروسية أما ليبيا فهي كانت عمليا دولة ذات نظام سياسي لا يستطيع أحد التنبؤ بتوجهاته عمليا أيضا و هي اختارت لنفسها خطا يبدو أكثر من مستقل منذ أيام الدولة السوفيتية و حتى أن القذافي كان أيامها يهاجم الفكر الشيوعي علنا بصورة كثيفة في خطاباته و تصريحاته بصورة غير طبيعية و برغم كون ليبيا قد اشترت ما سمي أنه صفقات سلاح كثيرة لكنها بمعظمها كانت تقنيات متقادمة و لم تستعمل مطلقا سوى في بعض الحروب الصغيرة الامتداد على أطراف ليبيا و معظم الخبراء الذين جرى استقدامهم كانوا عربا و لم يكونوا من روسيا و لم تحدث حالات تمازج ثقافي و إنساني واسعتين بين شعبي الدولتين و بعد انهيار الدولة السوفيتية ظل موقف الدولة الليبية مائعا من روسيا بصورة غير طبيعية لحين إيقاع العقوبات على ليبيا و بعد انتهاء تلك الحقبة بدأ تفكك الجيش الليبي و معظم منظوماته القتالية بحجة فتح صفحة جديدة مع الغرب و كان ذلك بمعزل عن أي تنسيق كان مع روسيا التي اكتفى نظام القذافي بعقود محدودة معها اقتصاديا و عسكريا تحت شعار الانفتاح على الغرب و كذلك الأمر فقد بدا مستحيلا قيام تحالف مع سياسي المزاج المتقلب على نفس الشاكلة التي واجهت روسيا مع العراق فكان ذلك ما قاد ليبيا إلى مصيرها الحالي الذي يبدو معتما لفترة طويلة قادمة.
يتبع....
هذه الدراسة التي قدمها الباحث و الصديق مهيد عبيد هي نموذج غير عادي لجوهر الدراسات الجيوسياسية القائمة على مبدأ ان على من يريد ان يكون رايا في السياسة فعليه بالنظر الى الخريطة و التاريخ و هكذا نجد التحالف السوري الروسي نموذجا لا يلتفت البعض اليه كثيرا كونه لم يحظى بدعاية تبهرج الموضوع و تسوق له لغاية ما تبين القوة الهائلة و العميقة الكامنة وراءه و التي تخفى على الكثيرين من ضعيفي المعرفة بواقع الجغرافيا و التاريخ الذي يحكم البلدين و هذه الدراسة ألقيت كمحاضرة في سورية و في لبنان و في ايطاليا و كذلك في جامعة أدنبرة و حتى في جامعات أمريكية و مراكز بحوث كما القيت ايضا في تشانج هاي و في مركز الدراسات الاستراتيجية بكانبيرا و كذلك جامعة ماكواري في سيدني فضلا عن جامعة سان بطرسبرج و جامعة موسكو و كذلك معهد الدراسات الاستراتيجية بموسكو.
طبعا البعض اعترض على فكرة النشر على حلقات سابقا لكن من المؤكد بكون اعطاء اي مسالة طابعا تقريريا مطولا يسبب شيئا من الملل لدى المطلع و لدى البحث عن تحليل لحدث معين فهناك تفصيلات قد تتطلب مناقشتها مع القراء سواء أعضاء أو زوار و كذلك فمن المؤكد بكون هذه الدراسة كمحاضرة قد ألقيت في أوائل عام 2012 و نظرا لجديتها فهي تبدو ملتصقة بصورة لافتة بالواقع الحالي الذي يجري الآن و بدون مبالغة فهي تشير الى استقراء الكاتب بصورة كبيرة لجوهر العلاقة السورية الروسية و معرفته العميقة بخفايا و اسرار العمل الحقيقي بين الدولتين الحليفتين.
الحلقة الأولى:
لقد سقطت مؤخرا كافة التحليلات التي تحدثت عن فورية انهيار التحالف السوري الروسي بسبب الأزمة التي تجري على أراضي سورية و التي تدخلت فيها أطراف عربية و إقليمية و دولية و كانت مراجع كثيرة تتحدث باستمرار عن صفقة سرية قامت روسيا بموجبها بالتخلي عن هذا التحالف و ذلك بمقابل لم تعلن عنه كل هذه المراجع و لم تعطي عمليا أية تفصيلات عن حدوث الصفقة المزعومة و مجرياتها و لقد استشهد\ت كتابات و مصادر كثيرة بما جرى ليوجوسلافيا و العراق و أخيرا ليبيا كدليل على تواطؤ روسيا و استعدادها للتخلي عن أي حليف مقابل ثمن ما و بعد أكثر من مضي عشرة أشهر على كافة الأحداث التي شهدتها سورية و المنطقة خفتت نبرة معظم الأبواق الإعلامية التي كررت بصورة مستمرة الحديث عن هذه الصفقة المزعومة.
مستويات العلاقات السياسية بين الدول:
تخضع العلاقات بين الدول إلى مستويات تحكمها و تؤطر مدى جدية و قيمة العلاقة ضمن عدة مستويات أكثرها شيوعا هي العلاقة التفاعلية العادية التي تتضمن اعترافا متبادلا و تمثيلا دبلوماسيا صغر حجمه أو كبر فهو تفاعل يجري على مستوى القمة يلتقي فيه المسؤولون الكبار في الدولتين بعض الأحيان لكنه يفتقر غالبا إلى أية مصالح واسعة و تفاعلات يومية و مستمرة و يكون غالبا مقتصرا على تبادل برقيات التهاني بين المسؤولين و حضور الدبلوماسيين للحفلات الرسمية و يكون نطاقه الاقتصادي و الشعبي محصورا في إطار المبادرات الفردية غالبا فحسب مع ملاحظة كونه قد يخضع أحيانا لحالات من النمو و الانكماش تبعا للأحداث التي قد تجري و مثال بارز على حدوث قفزة نمو في هذا الإطار هو تصاعد العلاقات بين مصر و الاتحاد السوفييتي على اثر صفقة الأسلحة التي جرت عام 1955 و تطورها بعد ذلك بصورة كبيرة أما المستوى الأكثر أثرا من ذلك فهو محكوم غالبا بتفاعل تاريخي و بشري بين الدولتين يتبعه بالطبع تفاعل اقتصادي خاصة بحال كون الدولتين على تماس جغرافي و قد يكون هذا التفاعل أيضا خاضعا لعدة تقلبات بين الصعود و الهبوط بحسب ظروف الوضع الاقتصادي و السياسي و الذي قد يأخذ بعدا توافقيا أو تنافسيا بل و عدائيا أحيانا لكن بسبب بعض من العوامل البنائية بين الدولتين فقد يكون مستحيلا إلغاء العلاقة التواصلية أو العدائية فمثلا لا يمكن فصل العلاقة بين سورية و لبنان برغم أية تغييرات ظرفية قد تؤدي لصعود هذه العلاقة و هبوطها و كذلك بمثال أخر فالعلاقة العدائية بين تركيا و أرمينيا هي واقع يبدو من المستحيل تغييره في عقود طويلة؛ المستوى الثالث و هو الأكثر حساسية هو العلاقة الاستراتيجية فتشمل الكثير من الجوانب فمنها ما هو اقتصادي أو اجتماعي أو جغراسي و بالطبع العسكري فضلا عن البشري الديموجرافي و التاريخي و كلها تتشابك بوقت واحد و إن برز أي منها بصورة أكبر من البقية و هذا المستوى ينطبق على علاقة سورية و روسيا بصورة كبيرة للغاية.
النماذج الثلاثة يوجوسلافيا – العراق - ليبيا
التحالف بين دولتين يقتضي بالطبع حالة تفاعلية واسعة و كبيرة و لها إطار تاريخي و ثقافي فلا يكفي أن تستورد دولة من الأخرى منتوجا معينا لتتحول العلاقة بينهما إلى ما يسمى تحالفا لعله من الضروري التوضيح بأن الأمثلة الأربعة التي استخدمتها بعض الأبواق الإعلامية لا تنطبق مطلقا على كلمة تحالف بصورة جدية فيوجوسلافيا كانت علاقتها مع روسيا منذ أيام الدولة السوفيتية و ما قبلها مقتصرة على علاقة تاريخية تربط كنيستي الدولتين فقط ثم جرى استخدامها كعذر لحماية روسيا للقومية الصربية في زمن القياصرة في حين أن الموضوع بأكمله كان يتعلق بالوصول إلى المياه الدافئة كمنفذ لفتح الأبواب أمام روسيا القيصرية فحسب ثم تطورت العلاقة بينهما إلى حد العداء في الزمن الستاليني و تراجعت حدة التنافس العدائي بعدها لفترة لكن الحساسية الدائمة ميزت العلاقة بينهما بسبب موقف يوجوسلافيا في كتلة عدم الانحياز و التي كانت هي أحد بناتها ثم تطورت الأمور داخل يوجوسلافيا ذاتها لتتحول إلى حالة من التفكك و الحرب الأهلية الكبيرة و التي فشل من خلالها النظام السياسي ليوجوسلافيا في أن يتطور و يتماسك في مواجهتها فتحول الجيش اليوجوسلافي إلى شراذم متطاحنة تتبع القوميات الست في الدولة السابقة و يبدو أخر الأمر تصورا غير واقعي نهائيا أن تدافع روسيا عن حليف محتمل لا تعرف شيئا عن مصيره؛ أما العراق فهو في سياسته الخارجية نموذج الفصام المستمر عن الواقع فلقد\ وصل الأمر بالقيادة العراقية إلى خوض حربين مستمرتين و كبيرتين بدون أي استئذان أو تفاهم مع الحليف المفترض فبكل بساطة لم يكن هناك ما يشبه أي مستوى من التحالف عمليا منذ زمن الدولة السوفيتية و حتى العقد السابق الذي كان فيه العراق قد أصبح بلدا محطما منهكا لا قيمة له لا اقتصاديا و لا سياسيا و لا حتى عسكريا أما لجهة الأسلحة و توريدالتها فهي كانت جزئية غالبا و بمعظمها نسخ بولندية لأسلحة سوفيتية و البعض الأخر تشيكية و قسم أخر صيني و هناك سبب تاريخي جعل السوفييت حذرين في تزويد العراق بأية تقنيات متقدمة و هو بتأثير حادثة الخيانة التي جرى فيها خطف طائرة الميج-21 عام 1966 إلى الكيان الصهيوني و لا يبدو معقولا أن يدافع أحد عن حليف مهزوم سلفا و مستعد في أية لحظة على الإقدام على أية مغامرات عسكرية ضد جيرانه أو صفقات سياسية مع أعداء الدولة الروسية أما ليبيا فهي كانت عمليا دولة ذات نظام سياسي لا يستطيع أحد التنبؤ بتوجهاته عمليا أيضا و هي اختارت لنفسها خطا يبدو أكثر من مستقل منذ أيام الدولة السوفيتية و حتى أن القذافي كان أيامها يهاجم الفكر الشيوعي علنا بصورة كثيفة في خطاباته و تصريحاته بصورة غير طبيعية و برغم كون ليبيا قد اشترت ما سمي أنه صفقات سلاح كثيرة لكنها بمعظمها كانت تقنيات متقادمة و لم تستعمل مطلقا سوى في بعض الحروب الصغيرة الامتداد على أطراف ليبيا و معظم الخبراء الذين جرى استقدامهم كانوا عربا و لم يكونوا من روسيا و لم تحدث حالات تمازج ثقافي و إنساني واسعتين بين شعبي الدولتين و بعد انهيار الدولة السوفيتية ظل موقف الدولة الليبية مائعا من روسيا بصورة غير طبيعية لحين إيقاع العقوبات على ليبيا و بعد انتهاء تلك الحقبة بدأ تفكك الجيش الليبي و معظم منظوماته القتالية بحجة فتح صفحة جديدة مع الغرب و كان ذلك بمعزل عن أي تنسيق كان مع روسيا التي اكتفى نظام القذافي بعقود محدودة معها اقتصاديا و عسكريا تحت شعار الانفتاح على الغرب و كذلك الأمر فقد بدا مستحيلا قيام تحالف مع سياسي المزاج المتقلب على نفس الشاكلة التي واجهت روسيا مع العراق فكان ذلك ما قاد ليبيا إلى مصيرها الحالي الذي يبدو معتما لفترة طويلة قادمة.
يتبع....