منادته بهذا الإسم أمر حقيقي من قبل فئات واسعة من الشعب و النخب المغربية التي كانت تمجده، و هذه مفارقة عجيبة في وقتها.عجبتني هذي سيدهم ليوطي
ليوطي المروك الفرنسي يوازي في الخبث لورنس العرب البريطاني, كلاهما اسسا دولة تدين بالولاء لهم حتى بعد مماتهم![]()
سياسة ليوطي هي من صنعت له هذه المشاعر المختلطة و المتناقضة لدى المغاربة.
مثلا ليوطي قام بمنع المغاربة من ولوج الحانات، وعاقب على السكر العلني ، ومنع غير المسلمين من دخول المساجد، و قام بحظر التبشير..!
وكان يتغنى بروعة و جمال الثقافة المغربية مشددا على وجوب المحافظة عليها!
ليوطي كانت له نظرة سياسية و أمنية و إقتصادية و دينية و ثقافية مع شق خاص الأمازيع، و حاول طوال فترة حكمه للمغرب تطبيق و ترجمت ذلك التصور إلى أرض الواقع، و قد نجح لحد كبير في تجسيده.
التحول الكبير للمغرب على يديه سبب هزة إرتجاجية دماغية للكثير.. فالمغربي كان يرى فيه رجلا يحترم سلطانه و ثقافته و دينه، و يرى بلاده المغرب تشهد على يديه طفرة حضارية من كل الجوانب.. ثم يقارن بينه و بين أولئك المستعمرين المتوحشين.. فكانت نتيجة هذه المقارنة عند البعض هي أن ليوطي مناهض للإستعمار.. خخخخخ هل سبق و أن سمعتم بمستعمر مناهض للإستعمار!!!
ليوطي أستقدم من الجزائر للمغرب ليجيب عن تساؤل طرحه الفرنسيون، على لسان "ريمون طوماسي": كيف ندخل إلى المغرب بتكلفة أقل ممّا دفعناه في الجزائر"؛ لهذا أرسل ليوطي، و لهذا كان إحتلال فرنسا للمغرب يخالف احتلالها للجزائر، فالإستعمار يتعلم من أخطائه.
ليوطي بعد أشهر قليلة من قدومه إلى مدينة فاس شهر ماي 1912، كتب رسالة إلى "الكونت ألبير دومان" عضو البرلمان الفرنسي، شارحا له فيها خطته لاحتلال المغرب: «لو أمدتني فرنسا بمائة ألف جندي لن يجدي الأمر شيئا، ستجمد حركتهم. هذه البلاد لا يمكن معالجتها بالقوة فقط. الطريقة المعقولة، والوحيدة، والأنسب، والتي أرسلتني فرنسا من أجلها، أنا وليس شخصا آخر غيري، هي اللعب الدائم على حبلي السياسة والقوة»
و أول شيء إشتغل عليه ليوطي هو إعادة شد الحبل بين السلطان المخزني و الأمة المغربية الذي كان على وشك التفكك، ثم تقويته لأقصى حد ممكن.
ليوطي بسياسته (العبقرية) جنّب فرنسا الكثير من الخسائر البشرية و المادية رغم الفظائع و الجرائم المرتكبة خلال فترة حكمه؛ بحيث جعل من العمليات و الحملات العسكرية لاحتلال المغرب عملا وطنيا! سانده فيها كثير من المغاربة !
فسياسته صرفت انتباه المغاربة عن استيلاء الفرنسيين على بلادهم في الوقت الذي كانت شخصية ليوطي تنال التقدير و الإعجاب.
قدرته الرهيبة في فصل شخصيته عن الأحداث المأساوية الواقعة بالمغرب يومها كان أمرا مدهشا !
نجاح ليوطي كما أسلفنا يكمن في كونه قدم نفسه للشعب المغربي و نخبه على أنه "خادم السلطان"، فكان يروج بينهم على أن تلك الأعمال العسكرية (الجرائم) تدخل في إطار سياسة التهدئة "PACIFICATION"، أي أنها ليست عمليات غزو، و إستعمار بل هي مجرد عمليات إخضاع لقبائل متمردة على السلطان..
كما استمال كبار القواد (الكلاوي، العيادي، الوزاني..) بأطلاق أيديهم على مناطق شاسعة بغير حساب شريطة ضمان الأمن بداخلها.
ليوطي مارس مهامه كـ "مقيم عام" لفترة 14 سنة كاملة، وهي أطول فترة قضاها مقيم عام فرنسي بالمغرب.
ليوطي عندما يوصف بصانع الدولة المغربية الحديثة، فذلك ليس من باب المبالغة أو القدح، بل لأن الأمر حقيقي، فقد غير شكل الدولة و روحها:
فهو من ألغى التسمية الأصلية من مراكش، التي كان يعرف بها المغرب، إلى الاسم الحالي، ونقل عاصمته من فاس التي كانت عاصمة لدولة مراكش، إلى الرباط التي أصبحت عاصمة لدولة المغرب ، ثم خلق منصب ملك على رأس الدولة بوظائف و سلطات سياسية جديدة موسعة، بعد أن كانت دولة مراكش يحكمها سلطان بوظائف وسلطات غير التي أصبح يتوفر عليها الملك في دولة فرنسا االمستحدثة..
و لتكتمل أركان الهوية لهذه الدولة المستحدثة كان لا بد لها من علم جديد فوضع العلم الجديد بنجمة خماسية بعد أن كان العلم الوطني لدولة مراكش يحمل نجمة سداسية، و وضع لها نشيد وطني من إختياره في شكل معزوفة عسكرية.. لهذا أوصى ليوطي بأن يدفن بالمغرب لأنها صنيعة يده.
هذه الدولة المستحدثة على يد ليوطي إستمرت بنفس الشكل و الروح و القوانين بعد الإستقلال!
لهذا أقبح شيء هو :
أن يصف العياشي الجزائر بأنها صنيعة فرنسا.. و ينسى من صنع له دولته!
و يصف الجزائريين بأنهم مخلفات فرنسا.. و لو إطلع على سياسة (الدعارة) عند ليوطي، و ما ارتكبته جيوش فرنسا بحق حرائرهم ما قال هذا الكلام، و لشعر بالخجل قبل التلفظ به!
لو علم العياشي حقيقة "اتفاقيات اكس ليبان".. لما أتى على ذكر "اتفاقية إفيان"!
لو علم المغاربة بحقيقة ملوكهم و ما فعلوه من جرائم..ما نطقوا بكلمة عاش!
ليوطي كان يعتبر السلطان يوسف بن الحسن "أعظم إنجاز له"، وعلى يد هذا السلطان و القوات الفرنسية تم سحق ثوار الريف، وعند زيارة السلطان لباريس للاحتفال مع فرنسا بمناسبة القضاء على ثوار الريف كان ليوطي من أهم مستقبليه.

وقبل أن يتوجه إلى فرنسا للإحتفال معها بعث برسالة تهنئة للمقيم العام الفرنسي بالمغرب بمناسبة دخول الجيوش الفرنسية الى مدينة تازة. (لقراءة نص الرسالة)
أمر أخير: طلب الحماية كان خلقا متأصلا لدى ملوك المخزن، فالسلطان المغربي "محمد الرابع" طلب الحماية من الولايات المتحدة سنة 1871 لكنها رفضت العرض (هنا)
التعديل الأخير: