الاستعمار وانقطاع السياق التاريخي للمسلمين

العراب

للعراقة أصول

أقلام المنتدى
ٍVIP
إنضم
Oct 20, 2013
المشاركات
12,906
مستوى التفاعل
40,516
النقاط
113

شعار قسم مدونات

الاستعمار وانقطاع السياق التاريخي للمسلمين​

6db7e0b9-ae46-4bbf-bcdb-03e6f1ba4dba.jpeg



الجيوش الأوروبية الاستعمارية فصلت حاضر الأمة الإسلامية عن ماضيها وأدخلتها ضمن سياقها التاريخي


لكل أمة من الأمم التي لها إسهام في بناء الحضارات سياقُها التاريخي، الذي يربط حاضرها بماضيها، ويصل جديدها بقديمها وطارفها بتالدها.
والأمة الإسلامية -كأمة- كان العامل الأول في تكوينها هو الإسلام، وهو بطبيعته دين مدني تميّزت حضارته باعتمادها على تشريع إسلامي مفصّل لمختلف مناحي الحياة، ودستور سارت عليه حركة المجتمع، كان لها -قبل الهجمة الأوروبية الاستعمارية عليها في القرن التاسع عشر- سياقها التاريخي والحضاري الممتد، كما كان لها تنظيمات وهيئات ومؤسسات وتشريعات، نابعة من أصول دينها، ومستمدة من تراكم خبراتها، ومن مخزون تجاربها على مدى تعاقب الأجيال.
كان كل ما يضبط حياة المجتمع منبثقًا عن الفكرة الكلية التي تؤمن بها الأمة الإسلامية، عن الكون والإنسان والحياة، وهي العقيدة الإسلامية التي تتخذ من وحدانية الله المطلقة أساسًا ومنطلقًا لها

الحياة الإسلامية قبل الاستعمار​

كانت هذه التنظيمات والهيئات والمؤسسات والتشريعات تحكم حركة المجتمع الإسلامي، وتضبط إيقاعاته، وتنظم نشاطاته ومعاملاته وفعالياته اليومية، في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والعسكرية، بغض النظر عما كانت تحتوي عليه من قصور ومن سلبيات، أو من حالات التردي الفكري والعقلي وتلاشي روح التحدي والاجتهاد والابتكار، التي كانت قد وصلت إليها الأمة الإسلامية، في ذلك الوقت.
لقد كان كل ما يضبط حياة المجتمع منبثقًا عن الفكرة الكلية التي تؤمن بها الأمة الإسلامية، عن الكون والإنسان والحياة، وهي العقيدة الإسلامية التي تتخذ من وحدانية الله المطلقة أساسًا ومنطلقًا لها. وكانت التنظيمات والهيئات والمؤسسات تحمل بصمات الثقافة الإسلامية، وتدور في فلكها، وتعبر عنها، ولم تكن مجلوبة أو وافدة من الخارج.
حتى وإن كان بعضٌ منها مقتبسًا من حضارات الأمم الأخرى، فهذا لا يغير من الأمر شيئًا، لأن ذلك الاقتباس – إن وجد – فقد تم بعد تحويره أو تعديله أو تكييفه بما يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، ولما فيه مصلحة المجتمع الإسلامي، والحكمة ضالّة المؤمن أينما وجدها أخذها.
فلما غزت الجيوش الأوروبية الاستعمارية بلداننا الإسلامية، في القرنين التاسع عشر، والعشرين، قطعت السياق التاريخي والحضاري للأمة الإسلامية، بمعنى أنها فصلت حاضر الأمة الإسلامية عن ماضيها وأدخلتها ضمن سياقها التاريخي والحضاري، وضمتها إليه، وألحقتها به.
إعلان

حرص الاستعمار الأوروبي على فرض نظمه في جميع المستعـمرات التي وقعت تحت نيره، ومنها كثير من البلدان الإسلامية، لإحكام سيطرته عليها، وإخضاع أهلها، وتكريس نفوذه فيها، ونهب خيراتها ومواردها

تأثير الاستعمار على الحياة الإسلامية​

وقد حدث ذلك الانقطاع، ومن ثم الإلحاق، عندما ألغت السلطات الاستعمارية الأوروبية، كل التشريعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي كانت قائمة في البلدان الإسلامية التي وقعت تحت نيرها، وتجاهلت عن عمد، تراثًا ضخمًا وحيًّا يمثل إبداعات المسلمين، وتراكم خبراتهم، ومخزون تجاربهم، على مدى أكثر من ألف عام.
هذا التراث الذي أنتج من قبلُ فنًا معماريًا راقيًا، وحضارة زاهرة، ومدنية متطورة، وهيئات ومؤسسات تعلقت بها قلوب المسلمين وأرواحهم، واحتضنت عادات انتمائهم لها، ثم فرضت عليها تنظيماتها وهيئاتها ومؤسساتها وتشريعاتها، التي جلبتها معها، والمنبثقة عن الفكرة الكلية التي تؤمن بها هي عن الكون والإنسان والحياة، فيما يسمى العلمانية.
إن كل هذه النظم، نشأت وتطورت في سياق تاريخي لأمة أخرى وحضارة أخرى، هي الأمة الأوروبية، ذات النزعة المادية، ولم تولد وتتطور في السياق التاريخي والحضاري للأمة الإسلامية، ولم تكن إعادة صياغة أو تشكيل له، ولم تكن امتدادًا أو مكملة له، وإنما كانت من خارجه وبمواد غريبة عنه.
وقد حرص الاستعمار الأوروبي على فرض نظمه في جميع المستعـمرات التي وقعت تحت نيره، ومنها كثير من البلدان الإسلامية، لإحكام سيطرته عليها، وإخضاع أهلها، وتكريس نفوذه فيها، ونهب خيراتها ومواردها، وإطالة أمد احتلاله لها، وجعلها فرعًا تابعًا للمركز، وفي خدمته.
نحن لم نستطع الافتكاك والتحرر من الاستعمار ومخلفاته وآلياته، وبالتالي لم نستطع إعادة وصل سياقنا التاريخي والحضاري، واستعادة شخصيتنا الإسلامية، حتى الآن، رغم مرور حوالي سبعين عامًا على ما يسمى "الاستقلال"

مرحلة الاستقلال وحالة الانفصام​

لقد كان قطع السياق التاريخي والحضاري للبلدان الإسلامية، هو أبرز نتائج الاحتلال الأوروبي، في القرنين التاسع عشر، والعشرين، وهو سبب إعاقتها عن التقدم، كما أنه لا يزال السبب الرئيسي لحالة الانفصام الحالية بين الحاضر والماضي، الذي تعيشه المجتمعات الإسلامية اليوم، تلك الحالة المتمثلة في ادعاء التحرر من الاستعمار واستنزال اللعنات عليه، مع كون تنظيماته وتشريعاته التي فرضها علينا، لاتزال تتحكم في حركة مجتمعاتنا، وتنظم نشاطاتها وفعالياتها ومعاملاتها اليومية، ومع كونها لم تخرج من بوتقة الاستهلاك إلى مرحلة الإنتاج.
إعلان

ذلك أنه عندما خرج الاستعمار من بلداننا بعد منتصف القرن الماضي، ترك خلفه – فيما ترك- هذه النظم، التي تكبّل حياتنا، ولم نستطع تعديلها أو تحويرها أو تكييفها بما يتماشى مع عقيدتنا الإسلامية، وبما يخدم مصالح المجتمعات الإسلامية، رغم كثرة محاولات الترقيع.
كما أننا لم نستطع العودة إلى نظمنا الإسلامية، التي كانت قائمة قبل الاحتلال، لأنها كانت قد ذوت وتلاشت. وحتى إن كان قد بقي بعضها، فإنها أصبحت عديمة المفعول أو الجدوى، ولم تعد صالحة لمرحلة ما بعد "الاستقلال"؛ لأن الزمن قد تغيّر واختلف عن مرحلة ما قبل الاستعمار، ولأن هناك أمورًا كثيرة قد استجدت وتطورت، بينما هي ظلت على حالها، ولم تواكب تلك التغيرات والمستجدات والتطورات.

ونتيجة لذلك، فنحن لم نستطع الافتكاك والتحرر من الاستعمار ومخلفاته وآلياته، وبالتالي لم نستطع إعادة وصل سياقنا التاريخي والحضاري، واستعادة شخصيتنا الإسلامية، حتى الآن، رغم مرور حوالي سبعين عامًا على ما يسمى "الاستقلال".



 

20,438

المواضيع

453,964

المشاركات

3,938

الأعضاء

AhmadAdel

آخر عضو مسجل
عودة
أعلى