- إنضم
- 27 فبراير 2015
- المشاركات
- 6,581
- مستوى التفاعل
- 29,324
- النقاط
- 113
حرب 1967 و سقوط الجولان بين الدعاية و الحقيقة
مهيد توفيق عبيد باحث في الشؤون الإستراتيجية
كثرت مؤخرا محاولة إحياء الرواية التي سوق لها بعد حرب 1967 عن سقوط الجولان و كان المصدر الرئيسي لهذه الرواية هو كتاب لضابط سوري سابق يدعى خليل مصطفى بريز تلقفت هذه الرواية محطات إذاعية و صحف و غيرها حينها ثم أعيد نشر هذا الكتاب مؤخرا على النت و تناقلته مصادر المعارضة السورية بالكثير من التهليل فضلا عن شهادة سبق أن سوقت لها قناة الجزيرة صدرت عن وزير الصحة الأسبق في سورية أيامها و ركزت الرواية على الادعاء بأن هناك صفقة تمت و بيعت الجولان بموجبها لإسرائيل و بأن من قام بهذه الصفقة هو الرئيس حافظ الأسد الذي كان وزيرا للدفاع أيامها و بالطبع فقد حفل الحديث عن هذه الرواية بالكثير من التكرار و لوحظ لها تأثير واضح على أجيال صغيرة السن تظن أنها فقيهة بأسرار السياسة و بالأمور العسكرية و بما جرى عام 1967 أكثر حتى من الذين عاشوا هذه الحرب؟!.
لم تظهر الرواية المسوق لها حتى اليوم دليلا واقعيا على صدقيتها و لم تأتي باي شيء جدي حول تفصيلات هذه الصفقة المزعومة فهي كررت بكل بساطة نفس الادعاءات فحسب مصورة مطلقيها أبطالا أفذاذا حاولوا منع حدوث هذه الصفقة و بالطبع فلقد أضيف لها البهار اللازم لطبخ الروايات الجيمسبوندية كالمعتاد و ليس ذلك مستغربا في ظل الحملة الدعائية الأخيرة عن النظام في سورية و التي تصر بفجاجة عجيبة على روايات تصور بأن مدنا بأكملها قد دمرت و بأن نهاية العالم تقترب بسبب ما يفعله النظام في سورية بحق شعبه ثم ركزت أيضا على نظرية أن النظام بينه و بين الكيان الصهيوني إنفاق سري على قتل شعبه كما إن هناك اتفاقا سريا لتدمير جيشه فهو من يستدعي التدخل الخارجي بسبب عدم استجابته لمطالب شعبه الخ.. و تبدو كل هذه الاتهامات المترافقة مع اجتماعات يقوم بها بعض المعارضين السوريين مع قيادات صهيونية و وسائل إعلام صهيونية قمة التناقض؟! على نفس الشاكلة تأتي رواية الضابط خليل مصطفى فتصوره قائدا للاستخبارات في الجولان و هو ما لم يكن صحيحا فهو كان مفصولا من الجيش قبلها بأكثر من عامين و حوكم لتورطه في محاولة انقلابية فهرب خارج سورية و روايته تصب اتهامات على جميع الضباط ذوي الأسماء المعروفة موزعة تهم العمالة و الخيانة بصورة غريبة و كذلك فهي تدعي أن حصون الجولان كانت لا تقهر و بأن فيها الكثير من الأسلحة المتطورة و أن خطط الدفاع عنها و كافة مستلزماتها كانت جاهزة و غير ذلك من الادعاءات ثم تكذب نفسها بالمقابل بتوجيه الاتهامات لمعظم القيادات بأنها فككت الجيش و لم تسلمه تموين الطوارئ و قصص أخرى لا نهاية لها لكنها عمليا أخر الأمر لا تعطي تفصيلات حقيقية عن الحرب ذاتها سوى بضع شذرات فحسب و تسوق لما سمته حربا طائفية داخل الجيش ذاته و تركز أيضا على أن الضباط الأكفاء مبعدون أو مسجونون و كل هذا تم بسبب صفقة سرية جرى عقدها بين النظام و بين الكيان الصهيوني.
المغالطة التاريخية و الفرية الكبيرة تظهر فورا لئن بدأنا من الختام فهي توضح بدون أية مجادلة في أن نظاما يريد إثبات شرعيته كان عليه تحقيق انتصار ما على عدوه الخارجي و ليس تأمين صفقة معه يُهزَمُ فيها أمامه بكل سخافة خاصة في وضع سورية أيامها و الحافل بصراعات داخلية لا نهاية لها الى حد أن الانقلابات و محاولات التمرد أصبحت روتينا يوميا و كافة الجيوش العائدة من الميدان في حالة هزيمة عسكرية تنتقم من قياداتها و تقلب النظام و لقد حدث ذلك عمليا في معظم الحروب التي تبعتها الانقلابات التي جرت ففي معظمها استغل بعض العسكريين حالة الهزيمة فقاموا بانقلابات و ثورات و هناك أبرز مثالين هما في قيام كمال أتاتورك بإسقاط الدولة العثمانية بعد هزيمة تركيا في الحرب العالمية الأولى و قيام جمال عبد الناصر بإسقاط النظام الملكي عندما شكل تنظيم الضباط الأحرار بعد هزيمة 1948 و الناظر الى كتاب خليل مصطفى يلاحظ تفصيلات كثيرة كان من المنطقي أن تدعم بوثائق خاصة أنه كضابط استخبارات الجبهة (كما ادعى عن نفسه) تتيسر له لكنه لم يبرز شيئا من ذلك نهائيا؟؟!!.
وجهة نظر التحليل العسكري تؤكد بأن سقوط أي موقع دفاعي شبه محتم أخر الأمر ما لم تكن حوله قوى مقاتله متحركة تناور و تدمر العدو المهاجم فتكون وظيفة الحصون العسكرية مساندة هذه القوات عمليا و إنهاك القوات المعادية لحين تدخل قوات النسق الثاني و أما الدفاع المستكن فهو انتحار بطيء عمليا ففكرة الدفاع حتى أخر طلقة و أخر رجل قد تصلح لفيلم ملحمي و ليس لقتال حقيقي حيث ستتعطل منعات الرماية و تدمر مهما بلغ تحصينها و المواقع الثابتة هي قد تصلح مراكز انطلاق عمليا لكنها لا تصلح مركز بقاء و قتال في النهاية و الموقع الدفاعي المرئي يعد نقطة ضعف واهنة و ليس نقطة قوة و ثبت ذلك عمليا في انهيار خط ماجينو و سيفغريد و ديان بيان فو مرتين و الجولان و سيناء و خط آلون و خط بارليف الذي سوق له أيضا دعائيا (صمد فيه الحصن المقابل لبور فؤاد لأن خط إمداده ظل مفتوحا)
كلها سقطت أخر الأمر و انهارت و الادعاء في كتاب خليل مصطفى بأن حصون الجولان قد صممت لتحمل القصف النووي كذبة دعائية تخلط بين الملاجئ و الحصون فهي قد تخدع من لا يفقه في الشؤون العسكرية فقط فقد كانت هناك ثلاثة حصون منها شبه مكتملة الإعداد هي القلع و تل الفخار و سراديب و البقية هي مجرد تحصينات تكميلية أخر الأمر قد تصمد بضع ساعات فقط لحين وصول قوات مساندة فحسب و سلاح الجو السوري عانى مثله كمثل أي قطاع قتالي أخر في الجيش السوري فهو قد نخرته الانقلابات المتتالية و كان قد هجره معظم طياريه و ضباطه و لقد حاول حافظ الأسد في حينه إعادة عدد من الضباط و الطيارين المسرحين و بذل جهدا كبيرا في هذا المسعى لإقناع زملائه في القيادة العسكرية و الحزبية بذلك لكن إعادة تأهيل هؤلاء كانت ستقتضي سنوات (حوالي 7-10 لصياغة و بناء ملكات الطيار المقاتل) و لم تكن سورية تمتلك أي دفاع جوي فعال فتأهيله سيستغرق سنوات أيضا كما لوحظ استمرار ضعف الانضباط و التناحر السياسي السيئ التأثير على جميع القطاعات العسكرية فلا أحد يثق بأحد بسبب هذا المناخ السلبي لحد أن حمل الذخيرة الحية كان قرارا بحاجة لموافقات لا نهاية لها في حين أن العمل العسكري يقتضي الثقة المطلقة بين المقاتلين في مختلف صنوف الأسلحة و كان الكثيرون من الضباط و الأفراد لا يتحدثون مع بعضهم نهائيا فكيف يمكن لهؤلاء أن يخوضوا حربا و ينتصروا فيها؟!
رُغمَ ذلك تحدثت مراجع غربية معادية لسورية علنا فقررت بأن النظام منذ تلك الأيام كان الخصم الأشد مرارة و الحقد الصهيوني الأسود عليه تجلى علنا في تصريحات كثيرة و أعمال عدوانية متكررة فالجبهة السورية عمليا كانت هي المشتعلة باشتباكات متقطعة بين الجيشين و كانت تهدأ ثم تنفجر كل مدة و مدة و جاء النظام في سورية حينها بقرار كان من أخطر القرارات في تاريخه و هو ضرورة إنشاء مقاومة فلسطينية منطلقها كبداية يكون الجبهة السورية ثم تنتقل في خطوة تالية فتتمركز داخل الأرض المحتلة و ضغط كثيرا في اجتماعات جامعة الدول العربية و لحد قامت فيه الجامعة العربية بعدها بتبني القرار ثم انطلقت منظمة فتح من الجولان أولا ثم الجبهة الأردنية موجهة ضربات الى الداخل و لقد تكتمت الكيان الصهيوني على الآثار المعنوية الكبيرة التي خلفتها هذه الضربات ثم بدأت بوادر القلاقل و التحدي تظهر بين عرب النكبة خاصة في الجليل و لقد تنبه المخططون العسكريون الإسرائيليون لهذا التطور البالغ الخطورة و حذروا من أنه من الضروري التصرف بسرعة و شن ضربة استباقية تمنع تفجر الأمور داخل الكيان الغاصب و تحول المواجهة الى حرب شعبية تقلب الوضع الى فيتنام أخرى
و لم يتنبه أحد الى تلك الزيارات التي قام بها موشي دايان الى فيتنام في أواسط الستينات و ماذا يمكن أن يكون مغزاها؟! (و هو نفس الوضع الحالي لسورية من دعم للمقاومة الشعبية و تخل عن الحرب النظامية) فلقد أتت الردود الصهيونية على كافة عمليات فتح أيامها تجاه سورية عنيفة للغاية فتضمنت قصفا لأهداف مدنية سورية بحالات كثيرة و كذلك ضد الأردن و بنهاية عام 1966 وصلت القيادات الصهيونية لقرار قاطع بضرورة شن الحرب و كان هناك تخطيط و تدريب متقدم تم في تركيا و إيران و جنوب أفريقيا حُضَر خلاله الطيران الصهيوني بصورة مفصلة لضرب الطيران المصري و السوري و الأردني وصولا لقاعدة هــ-3 العراقية و استمر ذلك لسنوات طويلة مستعينا منذ نشأته بطيارين مدربين سابقا ذوي خبرة طويلة فمعظمهم كانوا يحملون الجنسيات الأوروبية و الأمريكية و الصهيونية معا و عملوا في أسلحة الجو التابعة لهذه الدول فكانت فرصة أي طيار مصري أو سوري أو أردني محدودة أمام الخبرة الكبيرة التي يمتلكها هؤلاء و نفس الأمثلة في بقية القطاعات العسكرية و الصنوف المقاتلة الأخرى ثم أُخذ الضوء الأخضر بتعهد أميركي قاطع من الرئيس جونسون بمساندة مباشرة فتلقت الكيان الصهيوني قاذفات سكاي هوك سرا (80 طائرة حسب التاريخ الشفوي لجونسون بمكتبة الكونجرس) و دعما فائقا مستمرا في جميع مجالات التسلح وصولا لمشاركة أميركية مباشرة في عمليات الاستطلاع و القدرات الخاصة بالحرب الالكترونية و التشويش على الاتصالات فقامت مقاتلات فانتوم أميركية باستطلاع مباشر فوق الجبهات و سميت الحرب بعملية اصطياد الديك الرومي في غرفة عمليات أمريكية تابعتها مباشرة و كله مثبت بوثائق رسمية في دراستي الباحثين الأمريكيين دونالد نيف و ستيفن غرين اللتين تحتويان تفصيلات شاملة عن كل هذه المؤامرة.
أتى بعدها رئيس أركان الجيش الصهيوني في أوائل أيار 1967 فصرح سنهاجم دمشق و نسقط نظام الحكم فيها ثم سنعود و انفجرت عمليا الأزمة التي سبقت الحرب على إثره مترافقا ذلك مع حشود على الجبهة في الجليل بغرض استدراج مصر فوجد عبد الناصر نفسه تحت ضغط شعبي و رسمي كبير فهو لا يستطيع التساهل مع كل الأخبار عن الحشود الصهيونية و التحضير لشن عدوان على سورية و لقد شُنَت عليه في حينها حرب إعلامية من قبل وسائل إعلام عربية ادعت بكل استهزاء و خيلاء و تبجح ممزوج بالموعظة المبتذلة بأنه مختبئ وراء قوات الأمم المتحدة و بأنه لم يطلق رصاصة على الكيان الصهيوني مدة 12 عاما (نفس التهمة الموجهة للنظام السوري الآن و بصيغ خاضعة لنفس الأساليب الدعائية ذاتها مع تطوير كبير لأدوات العمل) و أنه لا يجرؤ على اعتراض السفن الصهيونية في مضيق تيران ..الخ فلم يجد عبد الناصر أمامه سوى هامش محدود للمناورة و كان تصوره أن هناك حربا دفاعية قادمة عمليا و تصور بأن لدى الجيش المصري قوة ردع معقولة ستصد الهجوم الصهيوني في حين كان الجيش المصري في وضع لا يختلف عمليا عن الجيش السوري على كافة الأصعدة فبدلا من الصراعات الحزبية الداخلية كان يعاني صراعات الشلل المختلفة التي تتحكم بكل شيء و كانت المفاهيم الأمنية طاغية أيضا بشدة على المفاهيم الحرفية فتم نقل قسم كبير من الضباط الأكفاء لقطاعات عسكرية عديمة الفاعلية و قطاعات مدنية و خدمية و كذلك فلقد أدت حرب اليمن الى تشتيت للمجهود العسكري المصري و استنزف الجيش المصري هناك لفترة ليست بالقصيرة من قبل قبائل مسلحة مُوِلَت من قبل دول الخليج و سُلِحَت أيضا من أجهزة الاستخبارات الغربية أيامها (على نفس النمط الذي تورطت فيه سورية داخل لبنان و إن اختلفت الملابسات السياسية و الجغراسية)
ولقد ساهمت الولايات المتحدة بدور كبير في عملية الخداع الاستراتيجي معلنة دعوة نائب عبد الناصر الى واشنطن يوم 5 حزيران لحل الأزمة ثم أعطت تطمينات كاذبة للسوفييت الذين أوفدوا سفيرهم لمقابلة عبد الناصر ملحين عليه بعدم البدء بأية عملية هجومية و كذلك خدعت الأمين العام للأمم المتحدة يوثانت بتحريف صياغة الرد على الطلب المصري بإعادة تموضع قوات الطوارئ الدولية عبر عميل المخابرات الأمريكية رالف بانش أما فرنسا فلقد صرح الجنرال ديجول أنها ستقف ضد مُطلق الطلقة الأولى و هنا تقتضي الأمانة التاريخية الذكر أنه قد التزم بوعده كرجل دولة حتى نهاية حكمه.
مهيد توفيق عبيد باحث في الشؤون الإستراتيجية
كثرت مؤخرا محاولة إحياء الرواية التي سوق لها بعد حرب 1967 عن سقوط الجولان و كان المصدر الرئيسي لهذه الرواية هو كتاب لضابط سوري سابق يدعى خليل مصطفى بريز تلقفت هذه الرواية محطات إذاعية و صحف و غيرها حينها ثم أعيد نشر هذا الكتاب مؤخرا على النت و تناقلته مصادر المعارضة السورية بالكثير من التهليل فضلا عن شهادة سبق أن سوقت لها قناة الجزيرة صدرت عن وزير الصحة الأسبق في سورية أيامها و ركزت الرواية على الادعاء بأن هناك صفقة تمت و بيعت الجولان بموجبها لإسرائيل و بأن من قام بهذه الصفقة هو الرئيس حافظ الأسد الذي كان وزيرا للدفاع أيامها و بالطبع فقد حفل الحديث عن هذه الرواية بالكثير من التكرار و لوحظ لها تأثير واضح على أجيال صغيرة السن تظن أنها فقيهة بأسرار السياسة و بالأمور العسكرية و بما جرى عام 1967 أكثر حتى من الذين عاشوا هذه الحرب؟!.
لم تظهر الرواية المسوق لها حتى اليوم دليلا واقعيا على صدقيتها و لم تأتي باي شيء جدي حول تفصيلات هذه الصفقة المزعومة فهي كررت بكل بساطة نفس الادعاءات فحسب مصورة مطلقيها أبطالا أفذاذا حاولوا منع حدوث هذه الصفقة و بالطبع فلقد أضيف لها البهار اللازم لطبخ الروايات الجيمسبوندية كالمعتاد و ليس ذلك مستغربا في ظل الحملة الدعائية الأخيرة عن النظام في سورية و التي تصر بفجاجة عجيبة على روايات تصور بأن مدنا بأكملها قد دمرت و بأن نهاية العالم تقترب بسبب ما يفعله النظام في سورية بحق شعبه ثم ركزت أيضا على نظرية أن النظام بينه و بين الكيان الصهيوني إنفاق سري على قتل شعبه كما إن هناك اتفاقا سريا لتدمير جيشه فهو من يستدعي التدخل الخارجي بسبب عدم استجابته لمطالب شعبه الخ.. و تبدو كل هذه الاتهامات المترافقة مع اجتماعات يقوم بها بعض المعارضين السوريين مع قيادات صهيونية و وسائل إعلام صهيونية قمة التناقض؟! على نفس الشاكلة تأتي رواية الضابط خليل مصطفى فتصوره قائدا للاستخبارات في الجولان و هو ما لم يكن صحيحا فهو كان مفصولا من الجيش قبلها بأكثر من عامين و حوكم لتورطه في محاولة انقلابية فهرب خارج سورية و روايته تصب اتهامات على جميع الضباط ذوي الأسماء المعروفة موزعة تهم العمالة و الخيانة بصورة غريبة و كذلك فهي تدعي أن حصون الجولان كانت لا تقهر و بأن فيها الكثير من الأسلحة المتطورة و أن خطط الدفاع عنها و كافة مستلزماتها كانت جاهزة و غير ذلك من الادعاءات ثم تكذب نفسها بالمقابل بتوجيه الاتهامات لمعظم القيادات بأنها فككت الجيش و لم تسلمه تموين الطوارئ و قصص أخرى لا نهاية لها لكنها عمليا أخر الأمر لا تعطي تفصيلات حقيقية عن الحرب ذاتها سوى بضع شذرات فحسب و تسوق لما سمته حربا طائفية داخل الجيش ذاته و تركز أيضا على أن الضباط الأكفاء مبعدون أو مسجونون و كل هذا تم بسبب صفقة سرية جرى عقدها بين النظام و بين الكيان الصهيوني.
المغالطة التاريخية و الفرية الكبيرة تظهر فورا لئن بدأنا من الختام فهي توضح بدون أية مجادلة في أن نظاما يريد إثبات شرعيته كان عليه تحقيق انتصار ما على عدوه الخارجي و ليس تأمين صفقة معه يُهزَمُ فيها أمامه بكل سخافة خاصة في وضع سورية أيامها و الحافل بصراعات داخلية لا نهاية لها الى حد أن الانقلابات و محاولات التمرد أصبحت روتينا يوميا و كافة الجيوش العائدة من الميدان في حالة هزيمة عسكرية تنتقم من قياداتها و تقلب النظام و لقد حدث ذلك عمليا في معظم الحروب التي تبعتها الانقلابات التي جرت ففي معظمها استغل بعض العسكريين حالة الهزيمة فقاموا بانقلابات و ثورات و هناك أبرز مثالين هما في قيام كمال أتاتورك بإسقاط الدولة العثمانية بعد هزيمة تركيا في الحرب العالمية الأولى و قيام جمال عبد الناصر بإسقاط النظام الملكي عندما شكل تنظيم الضباط الأحرار بعد هزيمة 1948 و الناظر الى كتاب خليل مصطفى يلاحظ تفصيلات كثيرة كان من المنطقي أن تدعم بوثائق خاصة أنه كضابط استخبارات الجبهة (كما ادعى عن نفسه) تتيسر له لكنه لم يبرز شيئا من ذلك نهائيا؟؟!!.
وجهة نظر التحليل العسكري تؤكد بأن سقوط أي موقع دفاعي شبه محتم أخر الأمر ما لم تكن حوله قوى مقاتله متحركة تناور و تدمر العدو المهاجم فتكون وظيفة الحصون العسكرية مساندة هذه القوات عمليا و إنهاك القوات المعادية لحين تدخل قوات النسق الثاني و أما الدفاع المستكن فهو انتحار بطيء عمليا ففكرة الدفاع حتى أخر طلقة و أخر رجل قد تصلح لفيلم ملحمي و ليس لقتال حقيقي حيث ستتعطل منعات الرماية و تدمر مهما بلغ تحصينها و المواقع الثابتة هي قد تصلح مراكز انطلاق عمليا لكنها لا تصلح مركز بقاء و قتال في النهاية و الموقع الدفاعي المرئي يعد نقطة ضعف واهنة و ليس نقطة قوة و ثبت ذلك عمليا في انهيار خط ماجينو و سيفغريد و ديان بيان فو مرتين و الجولان و سيناء و خط آلون و خط بارليف الذي سوق له أيضا دعائيا (صمد فيه الحصن المقابل لبور فؤاد لأن خط إمداده ظل مفتوحا)
كلها سقطت أخر الأمر و انهارت و الادعاء في كتاب خليل مصطفى بأن حصون الجولان قد صممت لتحمل القصف النووي كذبة دعائية تخلط بين الملاجئ و الحصون فهي قد تخدع من لا يفقه في الشؤون العسكرية فقط فقد كانت هناك ثلاثة حصون منها شبه مكتملة الإعداد هي القلع و تل الفخار و سراديب و البقية هي مجرد تحصينات تكميلية أخر الأمر قد تصمد بضع ساعات فقط لحين وصول قوات مساندة فحسب و سلاح الجو السوري عانى مثله كمثل أي قطاع قتالي أخر في الجيش السوري فهو قد نخرته الانقلابات المتتالية و كان قد هجره معظم طياريه و ضباطه و لقد حاول حافظ الأسد في حينه إعادة عدد من الضباط و الطيارين المسرحين و بذل جهدا كبيرا في هذا المسعى لإقناع زملائه في القيادة العسكرية و الحزبية بذلك لكن إعادة تأهيل هؤلاء كانت ستقتضي سنوات (حوالي 7-10 لصياغة و بناء ملكات الطيار المقاتل) و لم تكن سورية تمتلك أي دفاع جوي فعال فتأهيله سيستغرق سنوات أيضا كما لوحظ استمرار ضعف الانضباط و التناحر السياسي السيئ التأثير على جميع القطاعات العسكرية فلا أحد يثق بأحد بسبب هذا المناخ السلبي لحد أن حمل الذخيرة الحية كان قرارا بحاجة لموافقات لا نهاية لها في حين أن العمل العسكري يقتضي الثقة المطلقة بين المقاتلين في مختلف صنوف الأسلحة و كان الكثيرون من الضباط و الأفراد لا يتحدثون مع بعضهم نهائيا فكيف يمكن لهؤلاء أن يخوضوا حربا و ينتصروا فيها؟!
رُغمَ ذلك تحدثت مراجع غربية معادية لسورية علنا فقررت بأن النظام منذ تلك الأيام كان الخصم الأشد مرارة و الحقد الصهيوني الأسود عليه تجلى علنا في تصريحات كثيرة و أعمال عدوانية متكررة فالجبهة السورية عمليا كانت هي المشتعلة باشتباكات متقطعة بين الجيشين و كانت تهدأ ثم تنفجر كل مدة و مدة و جاء النظام في سورية حينها بقرار كان من أخطر القرارات في تاريخه و هو ضرورة إنشاء مقاومة فلسطينية منطلقها كبداية يكون الجبهة السورية ثم تنتقل في خطوة تالية فتتمركز داخل الأرض المحتلة و ضغط كثيرا في اجتماعات جامعة الدول العربية و لحد قامت فيه الجامعة العربية بعدها بتبني القرار ثم انطلقت منظمة فتح من الجولان أولا ثم الجبهة الأردنية موجهة ضربات الى الداخل و لقد تكتمت الكيان الصهيوني على الآثار المعنوية الكبيرة التي خلفتها هذه الضربات ثم بدأت بوادر القلاقل و التحدي تظهر بين عرب النكبة خاصة في الجليل و لقد تنبه المخططون العسكريون الإسرائيليون لهذا التطور البالغ الخطورة و حذروا من أنه من الضروري التصرف بسرعة و شن ضربة استباقية تمنع تفجر الأمور داخل الكيان الغاصب و تحول المواجهة الى حرب شعبية تقلب الوضع الى فيتنام أخرى
و لم يتنبه أحد الى تلك الزيارات التي قام بها موشي دايان الى فيتنام في أواسط الستينات و ماذا يمكن أن يكون مغزاها؟! (و هو نفس الوضع الحالي لسورية من دعم للمقاومة الشعبية و تخل عن الحرب النظامية) فلقد أتت الردود الصهيونية على كافة عمليات فتح أيامها تجاه سورية عنيفة للغاية فتضمنت قصفا لأهداف مدنية سورية بحالات كثيرة و كذلك ضد الأردن و بنهاية عام 1966 وصلت القيادات الصهيونية لقرار قاطع بضرورة شن الحرب و كان هناك تخطيط و تدريب متقدم تم في تركيا و إيران و جنوب أفريقيا حُضَر خلاله الطيران الصهيوني بصورة مفصلة لضرب الطيران المصري و السوري و الأردني وصولا لقاعدة هــ-3 العراقية و استمر ذلك لسنوات طويلة مستعينا منذ نشأته بطيارين مدربين سابقا ذوي خبرة طويلة فمعظمهم كانوا يحملون الجنسيات الأوروبية و الأمريكية و الصهيونية معا و عملوا في أسلحة الجو التابعة لهذه الدول فكانت فرصة أي طيار مصري أو سوري أو أردني محدودة أمام الخبرة الكبيرة التي يمتلكها هؤلاء و نفس الأمثلة في بقية القطاعات العسكرية و الصنوف المقاتلة الأخرى ثم أُخذ الضوء الأخضر بتعهد أميركي قاطع من الرئيس جونسون بمساندة مباشرة فتلقت الكيان الصهيوني قاذفات سكاي هوك سرا (80 طائرة حسب التاريخ الشفوي لجونسون بمكتبة الكونجرس) و دعما فائقا مستمرا في جميع مجالات التسلح وصولا لمشاركة أميركية مباشرة في عمليات الاستطلاع و القدرات الخاصة بالحرب الالكترونية و التشويش على الاتصالات فقامت مقاتلات فانتوم أميركية باستطلاع مباشر فوق الجبهات و سميت الحرب بعملية اصطياد الديك الرومي في غرفة عمليات أمريكية تابعتها مباشرة و كله مثبت بوثائق رسمية في دراستي الباحثين الأمريكيين دونالد نيف و ستيفن غرين اللتين تحتويان تفصيلات شاملة عن كل هذه المؤامرة.
أتى بعدها رئيس أركان الجيش الصهيوني في أوائل أيار 1967 فصرح سنهاجم دمشق و نسقط نظام الحكم فيها ثم سنعود و انفجرت عمليا الأزمة التي سبقت الحرب على إثره مترافقا ذلك مع حشود على الجبهة في الجليل بغرض استدراج مصر فوجد عبد الناصر نفسه تحت ضغط شعبي و رسمي كبير فهو لا يستطيع التساهل مع كل الأخبار عن الحشود الصهيونية و التحضير لشن عدوان على سورية و لقد شُنَت عليه في حينها حرب إعلامية من قبل وسائل إعلام عربية ادعت بكل استهزاء و خيلاء و تبجح ممزوج بالموعظة المبتذلة بأنه مختبئ وراء قوات الأمم المتحدة و بأنه لم يطلق رصاصة على الكيان الصهيوني مدة 12 عاما (نفس التهمة الموجهة للنظام السوري الآن و بصيغ خاضعة لنفس الأساليب الدعائية ذاتها مع تطوير كبير لأدوات العمل) و أنه لا يجرؤ على اعتراض السفن الصهيونية في مضيق تيران ..الخ فلم يجد عبد الناصر أمامه سوى هامش محدود للمناورة و كان تصوره أن هناك حربا دفاعية قادمة عمليا و تصور بأن لدى الجيش المصري قوة ردع معقولة ستصد الهجوم الصهيوني في حين كان الجيش المصري في وضع لا يختلف عمليا عن الجيش السوري على كافة الأصعدة فبدلا من الصراعات الحزبية الداخلية كان يعاني صراعات الشلل المختلفة التي تتحكم بكل شيء و كانت المفاهيم الأمنية طاغية أيضا بشدة على المفاهيم الحرفية فتم نقل قسم كبير من الضباط الأكفاء لقطاعات عسكرية عديمة الفاعلية و قطاعات مدنية و خدمية و كذلك فلقد أدت حرب اليمن الى تشتيت للمجهود العسكري المصري و استنزف الجيش المصري هناك لفترة ليست بالقصيرة من قبل قبائل مسلحة مُوِلَت من قبل دول الخليج و سُلِحَت أيضا من أجهزة الاستخبارات الغربية أيامها (على نفس النمط الذي تورطت فيه سورية داخل لبنان و إن اختلفت الملابسات السياسية و الجغراسية)
ولقد ساهمت الولايات المتحدة بدور كبير في عملية الخداع الاستراتيجي معلنة دعوة نائب عبد الناصر الى واشنطن يوم 5 حزيران لحل الأزمة ثم أعطت تطمينات كاذبة للسوفييت الذين أوفدوا سفيرهم لمقابلة عبد الناصر ملحين عليه بعدم البدء بأية عملية هجومية و كذلك خدعت الأمين العام للأمم المتحدة يوثانت بتحريف صياغة الرد على الطلب المصري بإعادة تموضع قوات الطوارئ الدولية عبر عميل المخابرات الأمريكية رالف بانش أما فرنسا فلقد صرح الجنرال ديجول أنها ستقف ضد مُطلق الطلقة الأولى و هنا تقتضي الأمانة التاريخية الذكر أنه قد التزم بوعده كرجل دولة حتى نهاية حكمه.
التعديل الأخير: