فتية الشرق ... جيش الأهوال ... هندسة الرؤية الإستراتيجية الروسية
...
سيف الشرق
...
سيف الشرق
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
وبعد ...
بالمقالة السابقة من هذه السلسلة عالجنا مسألة جيش الغموض أو جيش كوريا الشمالية وإن تبقى أمور كثيرة لمعالجتها حوله ومخططات عملياته القادمة ولكننا الآن ننتقل محطة آخرى من محطات حلف الشرق مع جيش الأهوال وهو الجيش الذي أعد الأهوال الإستراتيجية لخصمه الأمريكي اللدود.
وفي هذه المقالة المميزة من سلسلة المقالات التي تبحث تأسيس وتدشين هندسة إستراتيجيات متكاملة لحلف الشرق المنتظر سوف نتناول مسألة هندسة الرؤيا الإسترتيجية والمستقبلية لروسيا وكيف نزرع في جيش الأهوال الروسي وفي روسيا ككل روح "غريزة البقاء" و "روح القتال الشرسة للبقاء" مع أمور عديدة آخرى متنوعة.
في البداية أحب كشف ومعالجة موضوع "إستراتيجية حصان طروادة" الأمريكية التي أعلنها الأمريكان منذ أيام أو أسابيع قليلة بخصوص مخططات مواجهتها العسكرية مع روسيا والصين.
وبالمختصر الشديد فإن إستراتيجية حصان طروادة تلك تتمثل بما قاله الجنرال دافيد غولدفاين، رئيس أركان القوات الجوية الأمريكية وبحسب الجنرال غولدفاين:
( فإن الاستراتيجية الجديدة المزمع وضعها في غضون عام تقريبا تتضمن التسلل إلى أراضي الخصم في الخفاء.
وتركز الاستراتيجية التي قدّر رئيس أركان القوات الجوية الأمريكية تكلفة وضعها بحوالي135 مليار دولار على ضرب نقاط ضعف الخصم مع تفادي مواجهة نقاط القوة.
ويُفترض أن تشارك كل أفرع القوات المسلحة الأمريكية في عمليات حربية كهذه، فيما تقوم مقاتلات "إف-35" بتنسيق جهودها.) .
انتهى النقل عن كلام الأمريكان حول إستراتيجيتهم.
وتعليقا على تلك الإستراتيجية الأمريكية أقول بالبداية إنها تختلف كثيرا بالفعل عما قبلها من إستراتيجيات أمريكية إذ أن معظم الإستراتيجيات الأمريكية التنفذية عبر تاريخها تعتمد على محاصرة العدو المفترض حصار خانق سياسي واقتصادي وتفريغه من الحلفاء وجعله يقف وحيدا ومنفردا أمام الأمريكان ثم مع قليل من الحصار الاقتصادي والدعايات السياسية الإعلامية تبدأ أمريكا بحشد هائل لقواتها ثم تقوم بتكسير قوة الخصم بعدما تكون أنهكتها بشدة من الحصار والعقوبات كما أنها خلال مرحلة التكسير المباشر لقوة الخصم تعتمد على فارق هائل بالقوة لتكسير مراكز القوة الرئيسية للخصم خلال أول مرحلة من مخططات العمليات بحيث لا يتبقى من الخصم شبكة دفاعية نظامية متماسكة بعد أول مرحلة للعمليات وهي المرحلة التي تتضمن عمليات إسكات الدفاع الجوي النظامي المتماسك وتكسيره وتكسير مراكز القيادة والسيطرة وعقد اتخاذ القرار وعقد اللوجستيات وبقية الأمور التقليدية بهكذا مرحلة عمليات.
ولكن الشاهد هنا أنها عادة ما تواجه قوة الخصم الرئيسية بصورة استعراضية متعمدة ومعتمدة على فارق القوة وفارق الحشد وفارق المستوى التسليحي والتقني كما أنها تكون وضعت خصمها لفترة غير قليلة تحت طائلة حرب دعائية نفسية ومعنوية بالغة الشراسة والعنف وعمليات دعائية سوداء مكثفة وحصار سياسي لتفريغ الخصم من أي تعاطف سياسي فضلا عن تفريغه من أي حلفاء سياسيين فاعلين معه أو له.
فالخلاصة إنه بعد مرحلة الحصار السياسي والاقتصادي ومرحلة الدعايات السياسية المكثفة وبعدما ينهك الخصم وتظهر تشققات وتصدعات متنوعة متعددة المستويات بجبهة الخصم الداخلية فساعتها تبدأ مرحلة الحشد والتعبئة العسكرية الكاملة لتنفيذ وبدء العمليات الحربية الميدانية الفعلية الكاملة ضد الخصم ومن خلال فارق التحالفات نفسها وفارق القوة وفارق التقنية وفارق قدرة التحالف الأمريكي في تأمين خطوط الإمداد والتموين وفارق حجم السيطرة التقنية على ساحة المعركة تبدأ الحشودات الأمريكية تكسير قوة الخصم العسكرية في عملية استعراضية بحتة أكثر منها عملية عسكرية بحتة.
ولكن هذه الوصفة الأمريكية التقليدية السابقة تصلح مع الدول الصغيرة أو حتى المتوسطة القوة لأنها تتضمن تكسير مراكز القوة الرئيسية والنظامية المتماسكة للخصم بأول مرحلة عمليات لاستغلال فارق القوة بشكل استعراضيلأبعد مدى ممكن، وأيضا لإنهاء العمليات الرئيسية بأسرع وقت مما يوفر أيضا مجددا ميزة استعراضية إضافية.
أمريكا تمارس حروبها في الإعلام وفي العقول قبل أن تمارسها على الأرض ومن هنا تأتي خطورة القدرة على منافستها وخوض حرب العقول بصورة كاملة وهذا ما سنسعى إليه من خلال حلف الشرق الواعد الوليد.
لكن المشكلة العسكرية هنا هي أن روسيا والصين تتخطيان بسهولة شديدة تلك الوصفة السابقة التقليدية للعمليات الحربية الأمريكية.
وحتى مع غض النظر عن القوة الإستراتيجية النووية تظل روسيا والصين من مستوى قوة يقارع أمريكا إن لم يتفوق عليها بكثير من جوانب المقارنات المختلفة.
وهناك نقطة فارقة جدا أريد ذكرها وتأكيد قدرتها الحاسمة بمحصلة الصراع الحربي بين أمريكا وبين روسيا أو الصين هي نقطة أن أمريكا ستخوض الصراع بصورة هجومية بعيدأ آلاف الأميال عن جغرافيتها الرئيسية وبصورة واضحة يمكن تصنيفها عسكريا صورة هجومية أكبر منها دفاعية، وبالمقابل فأن روسيا والصين سيخوضانه على تخومها الملاصقة والقريبة منهما مما يمنح معركتهما صورة دفاعية أكثر منها هجومية.
وبشكل عام فإن كبار مفكري الحرب وخبراء إدارة الحرب يقدرون الحاجة للحشد الهجومي أن يكون بمقدار 3 إلى 5 أضعاف الحشد الدفاعي لتستطيع القوات المهاجمة تحقيق اختراقات مناسبة وتكسير مراكز القوة والتحصين الرئيسية الأمامية للخصم.
هذه المعادلة السابقة من أشهر معادلات الحروب مطلقا، وهي تكون بأقرب حالتها صحة ودقة بشكل خاص جدا إذا كانت مستويات الإعداد والتسليح والتدريب متقاربة بالنسبة للقوتان المتخاصمتان المتصارعتان.
وبالتالي ونظرا للتقارب الكبير بين مستوى القوات الأمريكية والروسية والصينية فالمعادلة السابقة بخصوص أفضلية الوضع الإستراتيجي للقوة الدفاعية المشرقية مقابل القوة الهجومية الأمريكية فهي تنطبق أكثر ما تنطبق على خصوم أمريكا على ثلاثة قوى رئيسية مضادة للأمريكان وهي روسيا والصين وكوريا الشمالية وإن كانت بحالة كوريا الشمالية المسألة لا تتعلق بالمقاربة من حيث الإعداد والتجهيز والتسليح ولكنها تتعلق بتوظيف كوريا لنقاط قوتها بأكبر صورة لصالحها وسعيها لتجنب تفوق العدو في نقاط قوته والمحصلة لذلك أيضا هي تقليص شديد لنقاط تفوق القوة الأمريكية الهجومية لدعم بقائية وقدرة قوة كوريا الدفاعية مما سيقلص بشدة مميزات الأمريكان ويمنح كوريا خيارات إضافية متعددة ومكلفة جدا على أي قوة هجومية مضادة تقودها أمريكا ضد كوريا.
وبالتركيز هنا على روسيا والصين سنجد أن الصورة أوضح ودرجة مقاربة مقارنة القوات المتخاصمة بين روسيا وأمريكا والصين ستجعل تكاليف الأمريكان للقيام بعملية هجومية بالغة الضخامة جدا مقارنة بتكاليف الوظيفة الدفاعية للقوة الصينية الروسية.
وإذا نظرنا لطبيعة التفكير الإستراتيجي وطبيعة هندسة وتخطيط معظم الحروب الأمريكية المعاصرة التي شرحتها بالمقدمة التي تعتمد حصار الخصم وتفريغه من تحالفاته وهزيمته نفسيا وأعمال الدعاية السوداء ثم بالختام عملية حشد عسكري تعتمد على فارق ضخم مع الخصم لتكسير مراكز قوته بأسرع وقت ممكن.
هذه الطبيعة العملياتية للحروب الأمريكية المعاصرة لا تصلح آبدا مع روسيا والصين وإن بطبيعة الحال تشابهت السياسات في نقاط رئيسية عديدة مثل عمليات هندسة مخططات التمهيد للحرب والدعايات المكثفة وتفريغ التحالفات ونحو ذلك.
ولكن على المستوى الحربي العملياتي لن تصلح تلك الطريقة الأمريكية في مرحلتها العملياتية للحروب مع خصوم بحجم روسيا أو الصين.
وأيضا بالنظر لأن المعركة على الأقل بالمراحل الأولى ستكون بطابع هجومي أمريكي وطابع دفاعي من روسيا والصين فهذا أيضا سيؤدي لتعزيز إضافي كبير لفرص الصين وروسيا وبقاء أكبر قدر من قوتهما أمام القوة الهجومية الأمريكية.
#حصان_طروادة_الفاشل
كل هذه الصعوبات الشديدة التي تواجه مخطط العمليات الأمريكي في مواجهة عناصر القوة العسكرية المباشرة لروسيا والصين أدى لمحاولة البحث عن مفهوم جديد لهندسة وتخطيط وإدارة العمليات الميدانية ضد روسيا أو الصين.
لكن المشكلة أن أي خطط عمليات واقعية سوف تتضمن نتائج خسائر كارثية على القوات الأمريكية وفقا لأي سيناريو للحرب بين أمريكا وبين روسيا أو الصين نظرا للتقارب الشديد وكذلك نظرا لطول خطوط الإمداد الأمريكية لآلاف الأميال وكون أمريكا تخوض الحرب بصفة هجومية وروسيا أو الصين تدير الحرب على الأقل بمرحلتها التقليدية بأسلوب دفاعي لا متوازي هجين لتكبيد أكبر خسائر ممكنة بالقوة المعادية.
وكذلك فأمريكا تعتمد كليا وتماما على نمط استعراضي محض لحروبها وعلى الدعايات المكثفة ضد الخصم وتحقيق هزيمة نفسية لقواته قبل بدء أي مواجهات عسكرية فعلية وفي حالة روسيا أو الصين ستكون القوات الأمريكية في موقف إستراتيجي لم تعتد آبدا أن تكون فيه.
أي سيناريو للحرب الأمريكية مع روسيا أو الصين أو حتى كوريا الشمالية سيتضمن حجم خسائر هائلة جدا في صميم القوة العسكرية الأمريكية وهذا وحده كفيل بكسر وتحطيم نظرية الحرب والعقيدة العسكرية الأمريكية التقليدية في خوض الحروب والصراعات مع خصوم غير متكافئين وبفارق هائل في التعبئة والحشد والإعداد والتسليح.
من هنا نرى أن كل سيناريوهات الحرب ستفرض حد أدنى من التكافئ في الخسائر التي لم يعتد عليها آبدا الجيش الأمريكي في حروبه وصراعاته مما أدى بالمخطط الأمريكي للبحث عن أي منافذ أو ثغرات خلال العدو.
وإستراتيجية حصان طروادة تأتي بهذا الإطار تحديدا للبحث عن ثغرات ضعفية في خطوط وحصون أعداء أمريكا ولكنها ليست إستراتيجية تنفيذية حقيقية بقدر ما هي في الحقيقة أيضا مجرد إستراتيجية دعائية "حرب نفسية" ومعنوية دعائية فارغة توحي للخصم الروسي الصيني بأن أمريكا تستطيع فعل الخوارق اللافيزيائية في نسيج الداخل الصيني والروسي وتجنيدهما لصالح القوات العسكرية الأمريكية مما يفترض به أن يدفع الإجراءات التنفيذية الروسية الصينية الداخلية على حملة تشكيك واسعة ومستمرة والتركيز على نقاط ضعف غير حقيقية بهذه الدرجة المزعومة أمريكيا وتجاهل نقاط الضعف الحقيقية.
الحروب والصراعات عامة تتطلب نوعان من الأنسجة المتماسكة:
الأول:
النسيج الداخلي للمجتمع ليستطيع تحقيق الحد الأدنى من التكاتف وتحمل الأعباء اللوجيستية المتنوعة ودعم معنوية المحاربين والمقاتلين ومنع أي هزيمة نفسية عنهم وأمور كثيرة متنوعة تحدثت عنها بالتفصيل شتى الكتابات ونظريات الحرب الشهيرة والمتنوعة لكافة كبار مفكري علم الحرب.
الثاني:
هو نسيج التحالفات الخارجية في حدودها الدنيا ولو على سبيل الدعم المعنوي والنفسي والسلوى ونحوها من أمور معنوية كحد أدنى.
خطة وإستراتيجية حصان طروادة الأمريكية هي خطة حرب نفسية بالمقام الأول تسعى لزرع الهواجس والشكوك ودفع موجة تشكيك متواصل في النسيج المجتمعي الداخلي لحلف الشرق لتفكيكه أو تفكيك ما يمكن من خلال التشكيك وبالتالي دفع السلطات المجتمعية إلى مزيد من إجراءات الرقابة ورفع تكاليف الأمن الداخلي بشدة ومشاغلة المجتمع بنفسه وصرف نظر القادة عن مواضع الخلل والخطر الحقيقية التي تتطلب صرف جهودهم وتركيزهم ومواردهم إليها.
فهي إستراتيجية فارغة وإن تؤشر على شيء فهي تشير لحالة إفلاس وخوف المخطط الأمريكي من حالة النهوض لمفردات حلف الشرق المختلفة في روسيا أو الصين أو كوريا أو غيرهم.
ودعونا الآن نكتفي بهذا القدر من معالجة "حصان طروادة" فقد أعطيناها بالفعل أكبر من حجمها بكثير ولكن حتى نغلق تلك الثغرة ونشرحها بشكل شافي وافي لكافة مستويات القيادة المتنوعة داخل قوات وجيوس وشعوب حلف الشرق المهيب والواعد.
أما بخصوص هندسة الرؤية المستقبلية والإستراتيجية الجيوسياسية المستقبلية لروسيا فسوف أسعى لاختصار خطوط عامة في نقاط محددة لتحقيق أكبر وضوح ممكن وتكامل للأطروحات مع العلم أن مسودة هذه النقاط تم كتابتها ونشرها علانية أول مرة في شهر مارس لعام 2018 وهي رؤية واعدة لروسيا داخل حلف الشرق.
#حلف_الشرق_جيش_الأهوال
بشكل شخصي أعتبر وأرى الجيش الروسي هو جيش الأهوال في نظر المخطط والمفكر الإستراتيجي الأمريكي.
وهي رؤية صائبة بشكل كبير وسنسعى لتدعيم وترسيخ وتكريس انعكاس صورة جيش الأهوال المترسبة والمتراكمة داخل ذهنية المخطط والمفكر الأمريكي وسندفعه إلى أقصى حدود الصورة المتعسرة والمثقلة عليه والمرتبطة بجيش الأهوال الروسي، سنسعى نحن أيضا لممارسة أقصى ضغط نفسي ومعنوي هائل ممكن وضعه على الخصم من خلال الضغط المتكامل بشتى مفردات جيش الأهوال وكافة جيوش الشرق المتنوعة.
جيش الأهوال الروسي وحده يمكنه وضع المفكر والمخطط الأمريكي تحت طائلة شعور مفرط بالعجز والإفلاس الشديد مما سيفضي به للإستسلام السريع أو القيام بتحركات جنونية بلهاء غير محسوبة بدقة وهو أيضا سيعود بنتائج كارثية على الخصم نفسه بالمقام الأول.
...