اكس ليبان ( Aix-les-bains ) اليد الفرنسية المطلوقة في المغرب
تُعد الآثار المترتبة على الحرب العالمية الثانية ، و خاصة استنزاف فرنسا عسكريًا و اقتصاديًا ، إحدى النقاط الفاصلة في التاريخ الحديث . حالت هذه الظروف دون قدرة فرنسا على مجابهة التحديات الجديدة ، مما جعل من مهامها الاستعمارية عبئًا ثقيلًا وكلفتها باهظة.
و تزامن هذا الوضع الميداني مع اشتداد ضربات الثورة الجزائرية وصولا الى الانتكاسة الكبرى للقوات الفرنسية في معركة “ديان بيان فو” عام 1954 ، و التي منيت فيها فرنسا بضربة موجعة أثرت بشكل كبير على معنويات جيشها وهيبتها العسكرية ، تمخض عن ذلك نقطة تحول مفصلية في العلاقة بين القوى الاستعمارية و الحركات الوطنية .
و في سياق متصل أدى الضغط الشعبي الناتج عن انتفاضة 20 غشت في المغرب إلى تسريع مسلسل الاستقلال ، في حين فتح إعلان الكفاح المسلح من طرف جبهة التحرير الوطني الباب أمام حقبة جديدة من المقاومة ضد الهيمنة الفرنسية في الجزائر .
مواجهةً لهذه الواقعية الجديدة ومع الخبرة القاسية التي تلقتها فرنسا في الهند الصينية ، بالإضافة إلى الظروف الدولية المتسارعة الخطى نحو التغير رأت فرنسا أن اللجوء إلى سياسة المفاوضات و منح الاستقلال التدريجي لمستعمراتها تمثل الطريق الأقل كلفة للمحافظة على بعض مصالحها على المدى الطويل. و هكذا بدأت تتبلور جهود الحوار لإعطاء الاستقلال لكل من تونس و المغرب ، فيما اختارت التركيز على المقاومة العنيفة في الجزائر.
كما تعي فرنسا أهمية المحافظة على ماء الوجه من خلال إقامة حكومات حليفة ، و الحفاظ على نفوذها الاقتصادي و السياسي ، للعب دور في النظام الدولي الجديد الذي يتجه نحو إدانة الاستعمار و دعم حق الشعوب في تقرير مصيرها، و ذلك في مسعى لتحقيق التوازن بين مصالحها الخاصة و الزحف المتنامي للحركات التحررية.
أن الطريق نحو الاستقلال و السيادة كاملة أحيانًا يكون مزروعًا بالتنازلات و الحلول الوسط التي لا تلبي بالضرورة تطلعات جميع الأطراف و في حالة المغرب كان هناك شعور واضح بأن الاتفاقية اكس ليبان لم تلبي الآمال المنشودة بشكل كلي خصوصًا فيما يتعلق بالوحدة الترابية و استرداد الأقاليم التي ظلت خارج نطاق السيادة المغربية بموجب الاتفاقيات بين المغرب و فرنسا و إسبانيا ليومنا هذا.
_ انعقدت قمة “إيكس ليبان” بمدينة إيكس ليبان ( Aix-les-bains )، بمنطقة رون – ألب الفرنسية عام 1955، يعتبر هذا الحدث حدثاً مفصلياً في تاريخ المحمية الفرنسية (المغرب) ، جمعت بين شخصيات المغرب و فرنسا للتحاور حول مستقبل المحمية ، و قد أسفرت هذه المحادثات عن اتفاقات حاسمة تم خلال القمة الاتفاق على إعادة السلطان محمد الخامس من النفي و تهيئة الطريق لتحقيق الاستقلال التدريجي للمغرب.
الكثيرون يشيرون إلى الاستقلال “بالتقسيط” كوسيلة لفرنسا لتأسيس نظام ملائم لمصالحها عبر نقل السلطة تدريجيًا إلى النخب المغربية التي كانت متوافقة مع رؤيتها ، الأمر الذي يمكن تفسيره كجزء من استراتيجية فرنسا لتأمين مصالحها التجارية و الاقتصادية في المنطقة حتى بعد الاستقلال . وفقًا لهذا المنظور يمكن النظر إلى الاستقلال الممنوح كجزء من “مؤامرة” أو تكتيك استراتيجي يضمن لفرنسا الحفاظ على نفوذ ما في محميتها .

_ اتفاقية “ايكس-ليبان” (Aix-les-bains ) لم تلق قبولاً واسعاً من جميع فئات الحركة الوطنية.
كانت اتفاقية إيكس-ليبان ( Aix-les-bains ) لها تداعياتها المعقدة داخل المشهد السياسي المغربي بالرغم من كون الاتفاقية خطوة بالغة الأهمية نحو استقلال المغرب و أي إستقلال ! ، إلا أن بعض فصائل الحركة الوطنية و أجزاء من الشعب المغربي رأوا فيها تنازلات قد تقوض مسار الاستقلال الكامل و تسمح لفرنسا بالحفاظ على بعض النفوذ في البلاد.
لم تكن الحركة الوطنية المغربية كتلة متجانسة و كانت تضم تيارات متنوعة ذات توجهات و أهداف مختلفة ، ما بين معتدلة تسعى للتفاوض و أخرى أكثر تشدداً ترفض أي شكل من أشكال الهيمنة الأجنبية بالنسبة للتيارات المتشددة ، الاتفاقية قد تبدو و كأنها إستمرار للحضور الإستعماري بدلاً من كسره بشكل قاطع ، أدى هذا إلى بعض الانقسامات داخل الحركة الوطنية و الشعب المغربي ، مع تساؤلات حول صلاحية و تأثير هذه الإتفاقية على مستقبل البلاد ؟
و كانت هناك مخاوف من أن النخب التي تفاوضت و وقَّعت الإتفاقية مع الفرنسيين قد لا تمثل كافة طبقات الشعب المغربي و أن النظام الذي سيتولى السلطة بعد الإستقلال قد يكون منغمساً في الحفاظ على مصالح فرنسا الإقتصادية و السياسية وبالتالي لا يعكس الإرادة الحقيقية للمغاربة نحو تقرير المصير و الإستقلال التام و هو ماوقع بالفعل .

_ اكس ليبان (Aix-les-bains ) فخ منصوب .
من العاصمة المصرية القاهرة ، توالت تصريحات القائد محمد عبد الكريم الخطابي الذي عُرضت آراؤه في صحيفة “كفاح المغرب العربي” بتاريخ 7 يناير 1956. أفاد في رسالته بأن جماعة الرباط قد انتهجت مساراً مماثلاً لأسلوب جماعة تونس التي استسلمت، مُعلنةً تنفيذ اتفاقية إكس ليبان ، وبدأت ببث الوعود المغرية للشعب المغربي مع اعتمادها على خطاب جذاب . و تابع الخطابي مُحذراً من تكرار سيناريو اتفاقية تونس مُنتقداً التحريض الذي يطالب المناضلين بنبذ السلاح مقابل وعد بالهدوء ، مُشيراً إلى أن هذا الهدوء لا يُحقق إلا من خلال التخلي عن السلاح و تسليمه لأصحاب النفوذ في الرباط الذين يحتلون مواقع السلطة، في وقت يستعد فيه الأعداء للقضاء على الجزائر. واختتم بكلمات تُحفز اليقظة تجاه المؤامرة المُحاكة ، وبث الثقة في استمرار كفاح الشعب المغربي حتى غادر آخر جندي فرنسي مُسلح أراضي المغرب وشمال إفريقيا.
أُسدِل الستار على المحادثات الأولى بوضع إطار لمجلس وصاية يُكلف بالإشراف على العرش عقِب عزل السلطان الذي عيّنته فرنسا و عودة السلطان محمد الخامس إلى أرض المغرب في عام 1955 و توقيع اتفاقية الاستقلال في 2 مارس 1956 مع فرنسا إلا انه لا يزال هناك اختلاف بشأن ظروف تلك المفاوضات و تأثيراتها في الوقت نفسه يلاحظ بعضهم أن إستقلال المغرب منقوص السيادة في حين استمرت في التأثير عبر ما يُعتبر “استعمار ثقافي وفكري” نتيجة “إتفاقية إيكس ليبان” و الجدير بالذكر أن البنود الواردة في معاهدة أكس ليبان، صُممت لتبقى سارية المفعول حتى عام 2055 ، مع إمكانية تمديدها لمئة عام إضافي ، بينما تبقى سبتة و مليلية بالإضافة إلى 21 جزيرة تحت السيطرة الإسبانية منذ 6 قرون .