الرجل لربما أضاف الكثير إلى بلده و لكنه أخذ منه الكثير فلا غرابة أن نرى ما حدث في سنة 2011, عندما تدمر مؤسسات الدولة و تخلق منها كيانات غريبة مثل المؤتمرات الشعبية و اللجان الشعبية و تترك الغوغاء تذل الأكاديميين و خيرة أهل البلاد تحت مسمى لجان ثورية و كل كلمة تقولها تصبح قراّناً و تبدأ الكوميديا السوداء من تغيير الأرقام إلى تغيير أسماء الأشهر إلى تغيير التواريخ الهجرية و الميلادية إلى طرح نظريات ما أنزل الله بها من سلطان مثل شكسبير هو الشيخ زبير و البربر هم عرب بر-بر بينما الفينقيين هم عرب بحر - بحر و كل مرة تفاجئنا بملبس غريب ما أنزل الله به من سلطان. يوم تهدم مبنى وزارة الخارجية القديم و هو من المباني التراثية الجميلة بعمارته الإيطالية المميزة فقط لتعاقب المتعهدين بصيانته لإنهم تأخروا !!!! أية دولة هذه؟! أسأل أهل العاصمة الأصليين ماذا حصل بمدينتهم و تركيبتهم الإجتماعية (لقد أستلم القذافي مدينة بمعايير أوروبية و سلمنا مدينة كانت تعاني من فقدان جزء كبير من أرثها الإجتماعي و المعماري و البيئي و السياحي) فقط صور من طرابلس الستينيات و السبعينيات
خذ مثلاً ميدان الغزالة حتى فترة التسعينيات في الصورة أدناه
و في الأسفل كيف أتى أحد رجال العقيد و أسمه الزادمة (قتل في التسعينيات) و قرر تغيير نمط حوض التمثال بجرة قلم من عنده مع العلم أنه لا علاقة إدارية أو دراية فنية له بذلك (لاحقاً أختفى التمثال مع مجيء الإسلاميين)
خذ تدهور مستوى الجامعات و التسيب الإداري الذي وصل حدود لا توصف بل لاحظ حتى إنضباط الناس بقوانين المرور ستجد أن البلاد لولا النفط ما كانت لتستمر ليوم واحد و سعادته (أي العقيد) يجرب و يجرب و يخترع و يبدع, يتحدث عن النزاهة و لكن كل واحد من أولاده يمتلك يختاً و يصرف الأموال بيديه و قدميه (و إن للمصداقية لم يكونوا مؤذين و شرسين مع الناس بنفس الشكل الذي عليه بعض أبناء المتنفذين العرب). ستجد معامل لتجميع الجرارات و الشاحنات و الحواسيب الألكترونية و مصانع صلب ضخمة و لكنها منذ السبعينات و الثمانينات لم تتجاوز مرحلة التجميع و مصانع المعلبات و المواد الغذائية و المنظفات (أي الصناعات المقدور عليها) توقفت عن تغطية السوق منذ فيضان المنتجات المصرية و التونسية و التركية في التسعينيات, إذاً أين الصناعة؟ بعد 40 سنة محصلة الصناعة الحقيقية هي صفر!!! منذ التسعينيات كان هناك مشروع بناء قمر صناعي محلي و أتت سنة 2011 دون أن نراه حتى على منصة!!! خريجين في هندسة الطيران و بحوث عن أستخدام المواد المركبة في صناعة الطائرات و لم نرى سوى طائرة تجريبية تحطمت بعد تجربة أو أثنين!!!! مصنع سيارات الداييو الكورية كان مقرراً إفتتاحه في التسعينيات و أفتتح فعلاً ليغلق بعد شراء الأمريكيين للشركة الكورية!!! كانت مشاريع للإعلام و لكن الواقع هو الإعتماد على الإستيراد فقط !!! من حق كل الليبيين الخيبة من المزارعين الذين رأوا زيت الزيتون يستورد بينما أكبر مزارع الزيتون في العالم توجد في غرب ليبيا و بجودة ممتازة إلى عجينة التمر المستوردة و بلادهم فيها ملايين أشجار التمور إلى الحرفيين الذين دمرت حرفهم فأصبحت ترى سوق التحف يفيض بمنتجات هندية و باكستانية و مصرية إلى الأكاديميين الذين سحلهم و شنقهم طلابهم في ثورة الطلاب و الذين كانوا يجاوبهم العقيد ب((أسكت يا حمار)) إلى الجيش الذي كان صغيراً و لكن نواته مقبولة و يمكن البناء عليها فطردت الضباط الكبار و تم ترفيع الملازمين إلى لواء و عقيد ثم الدخول إلى حروب في أوغندا و تشاد و مناوشات هنا و هناك . بإختصار لم يرى الليبيون سياسة دولة بل وجدوا فرداً سخر ملامحهم الإجتماعية الموروثة لمنظومة بناها كان لها ما لها و عليها ما عليها.