معركة القصير

Joseph SHAMROCK

تحت التجنيد

إنضم
16 ديسمبر 2019
المشاركات
13
مستوى التفاعل
139
النقاط
28
كان الهجوم الذي استمر 17 يومًا بقيادة حزب اللبناني ضد بلدة القصير السورية، والذي أعاد هته البلدة الإستراتيجية إلى الحكومة السورية في شهر 6 - 2013، ضربة معنوية موجعة للمعارضة المسلحة رافقها تردد من قبل المجتمع الدولي في توفير الأسلحة لها، كما أبانت هته عن ضغينة متزايدة بين الفصائل المعارضة، كما كانت أيضًا المرة الأولى التي لعب فيها حزب الله دورًا قياديًا مهمًا في الحرب الأهلية السورية، رغم إنخراطه في سوريا لمدة عام على الأقل قبل هته المعركة. علاوة على ذلك، كانت هته تجربة حزب الله الأولى في إطلاق هجوم كبير في بيئة حضارية، إلا أن الحزب عانى خلال المعركة من خسائر كبيرة من حيث الأفراد، إلا أن هته الخسائر إضافة إلى رد الفعل في لبنان لم يمنعه من الانتشار في مسارح قتالية أخرى في سوريا دعماً للجيش العربي السوري. ملتزما بذلك بدوره في محور المقاومة.

ما قبل الهجوم

تقع مدينة القصير التي يبلغ عدد سكانها حوالي 30 ألف نسمة وهم مزيج بين السنة، الشيعة، العلويين والمسيحيين، تقع على بعد 8 كلم عن الحدود اللبنانية-السورية و 25 كلم جنوب غرب حمص. الأراضي حول القصير أراض زراعية منبسطة من البساتين والحقول المروية بنهر العاصي، تحيطها مجموعة قرى صغيرة ومزارع يسكنها شيعة لبنانيون. كانت هته المنطقة الحدود غير مظبوطة ما سمح للبنانيين والسوريين بالتحرك بحرية عبرها.

تكمن أهمية القصير في كونها قناة لوجستية للمعارضة بين لبنان وحمص. يسكن وادي البقاع الشمالي الشرقي في لبنان مجموعة من السكان السنة الذين يتعاطف معظمهم مع المعارضة السورية. يتسلل المقاتلون السوريون والمتطوعون اللبنانيون إلى سوريا من لبنان عبر منطقة مشاريع القاع والجبال المجاورة من الشرق، من جهة أخرى، فإن طريق M5 الذي يربط دمشق بطرطوس والساحل و يمر عبر حمص والقصير.

حاصر قوات الجيش العربي السوري القصير منذ شهر 11 عام 2011، بعدها بثلاثة أشهر اندلع قتال عنيف بين المعارضة المسلحة والجيش للسيطرة على البلدة، إنتهى بحلول شهر 7 عام 2012 بسيطرة المعارضة عليها، تبعتها اشتباكات متقطعة في القرى الغربية على طول الخط الفاصل تقريبا بين القرى الشيعية والسنية.

إتهمت المعارضة حزب الله بالقتال غرب وجنوب القصير، كما زادت الشكوك في لبنان حول مشاركة الحزب في القتال في سوريا بعد مقتل علي حسين ناصيف، أحد كبار قادة حزب الله قرب القصير في 2012.10.02. وصف المتمردون مقاتلي حزب الله بكونهم "محترفين"، "أقوياء" و أن معضمهم "أصغر من سن 35".

في منتصف شهر 2013.04، أطلق كل الجيش العربي السوري وحزب الله حملة عسكرية للإستيلاء على القرى المحيطة بالقصير تمهيدًا لهجوم على البلدة نفسها. حققا خلالها نجاحًا مبدئيًا بالاستيلاء على تل نبي مندو، الواقع على بعد 7,5 كلم شمال غرب القصير، ما أعطى رؤية عامة عن الاراضي المسطحة المحيطة.

كانت التقارير عن وتيرة القتال في الأسابيع التالية متضاربة ومتناقضة، رغم ذلك، سيطر الجيش العربي السوري وحزب الله ببطء على الأرض، واستولوا على القرى إلى الغرب والجنوب الغربي من القصير. تسبب قتال حزب الله في سوريا بإستهداف عدة صواريخ إنتقامية على قضاء الهرمل الشيعية بالبقاع شمال لبنان. ما أدى في يوم 2013.04.14، الى أصابة بلدات حوش السيد علي و القصر في لبنان، مما أسفر عن مقتل شخصين، أصابت بعدها نفس المنطقة بصواريخ يومي 2013.04.21 و 2013.04.23، لكن دَفع القوات الموالية للحكومة للمعارضين بإتجاه القصير، جعل المناطق الشيعية بلبنان خارج نطاق صواريخ 107 ملم، 122 ملم ، والصواريخ مرتجلة الصنع، ولكن بقيت منطقة الهرمل عرضة للإستهداف بالصواريخ التي تطلق من سوريا.

بحلول منتصف شهر 5 عام 2013، سيطر الجيش العربي السوري وحزب الله على معظم المناطق المحيطة بالقصير باستثناء ممر يمتد شمالًا ويشمل قاعدة الضبعة الجوية المهجورة التي كانت في أيدي المعارضة.

التحضيرات للهجوم

تم إختيار المدافعين عن القصير من مجموعة واسعة من الفصائل المعارضة، أغلبها كيانات محلية أو قروية كانت جزءًا من كتائب الفاروق، أكبر فصيل بالقصير. تعد كتيبة فاروق واحدة من أكبر فصائل المعارضة السورية كما تشكل جزءا أساسيا من جبهة تحرير سوريا الإسلامية.

من غير الواضح عدد وحدات المعارضة والمقاتلين الذين قاتلوا في القصير، تم تقدير عدد الوحدات بحوالي 15 وحدة، وقد يكون عدد للمقاتلين أقل من عدة آلاف، أحد التقديرات يقدر أعدادهم ما بين 11 و 12 ألف مقاتل إلا أن هته الأرقام تبدو مبالغا فيها، رقم أخر يستند إلى مقاتل معارض يذكر عدد 2000 مقاتل والذي على الأرجح هو أكثر دقة. قام مجلس القصير العسكري، الذي يرأسه المقدم محي الدين الزين المعروف بـ (أبو عرب) بتجميع جميع الفصائل في القصير تحت قيادة واحدة. بدت سلسلة القيادة مرتبكة حيث أعطى لاحقا المقاتلون الذين قاتلوا في المعركة أسماء مختلفة للقائد العام لقوات المعارضة بالقصير.

كان المقاتلون المعارضون مجهزين تجهيزًا جيدًا من ناحية الأسلحة والذخيرة في البداية، وزاد مخزونهم من الأسلحة بالاستيلائهم على قاعدة ضبعة الجوية، وكان المقاتلون مسلحين بمجموعة متنوعة من البنادق، أكثرها شيوعًا الكلاشنكوف و RPG-7، رشاشات PK الخفيفة، مدافع مضادة للطائرات عيار 23 ملم، إضافة إلى مجموعة متنوعة من قذائف الهاون وصواريخ مدفعية من عيار صغير (107 ملم و 122 ملم).

قام المقاتلون المعارضون باستعدادات دفاعية واسعة النطاق لعلمهم أن البلدة ستتعرض للهجوم من قبل القوات الحكومية في مرحلة ما. تم تقسيم المدينة إلى قطاعات ووُضعت وحدات مختلفة للدفاع عنهم، قاموا بحفر الأنفاق والمخابئ تحت الأرض، وشيدوا السواتر الترابية عبر الشوارع، فخخوا المباني ولغموا الطرق، و وصنعوا متفجرات مرتجلة لاستخدامها كسلاسل ألغام ضد آليات الجيش السوري.

من جهة أخرى، يتوقع أن قوة حزب الله كانت بين 1200 و 1700 مقاتل، معظمهم من قدامى المحاربين وأعضاء وحدات القوات الخاصة. قسم حزب الله المدينة إلى 16 قطاعًا عملياتيا لكل منها 100 مقاتل مقسمين بدورهم إلى حظائر قتالية من 3 إلى 5 أفراد، كما وضع تعيينات للأهداف ومواقع مختلفة، من أجل استخدامها في الاتصالات الراديوية الغير المشفرة، أُعطي الحزب السيطرة تكتيكية على المعركة وحتى سلطة إصدار الأوامر للضباط السوريين.

الهجوم

بدأ الهجوم، صباح يوم 2013.05.19، بقصف مدفعي قوي وغارات جوية على القصير، تلاه تقدم مقاتلي حزب الله من الجنوب والشرق والغرب بدعم من الجيش السوري، حقق الحزب تقدما سريعا جنوب البلدة وصولا إلى مبنى البلدية، حيث صرح أحد نشطاء المعارضة السورية أنه بحلول نهاية اليوم الأول استولت القوات الموالية للحكومة على حوالي 60 ٪ من البلدة.

توقع الحزب معركة سريعة في القصير، إلا انها إمتدت أكثر من المتوقع رغم المكاسب المحققة في الساعات الأولى، حيث تعرض لخسائر كبيرة بشكل غير متوقع. ففي أول يوم للمعركة، قُتل ما يصل إلى 24 مقاتلا للحزب في كمين للمعارضة، ما جعل الحزب والجيش السوري يبطؤون من وتيرة الهجوم مع الحرص على السيطرة على كل هدف قبل التقدم، وصف أحد مقاتلي حزب الله الوضع بأنهم "لم يقاتلوا مترًا بمتر بل سنتيمترًا بسنتيمتر"، إقتربت الوحدات القتالية من مواقع تمركز الثوار قدر الإمكان لتفادي الإستهداف بالهاون الذي شكل مشكلة كبيرة لهم، كما تفادى المقاتلون إستخدام المداخل والنوافذ خوفا من تشريكها، وإستعاضوا عنها بتفجير ثقوب بالجدران.

اعترف المعارضون ببراعة أعدائهم من حزب الله، يقول أحدهم : "لقد كانوا مقاتلين شرسين للغاية ... كنا نطلق النار عليهم لكنهم استمروا بالمجيء"، كما لاحظوا أن مقاتلي حزب الله حاولوا التقدم بإستمرار حتى و إن كانت مواقعهم محاصرة وتحت نيران كثيفة.

إستخدمت الوحدات القتالية لحزب الله على الأرض قذائف RPG-7 وقناصة ببنادق Dragunov إضافة إلى صواريخ قصيرة المدى يمكنها تحقيق دمار أكبر من قذيفة كتفية مع دقة أفضل من المدفعية المنتشرة خارج المدينة، قادرة على "تدمير مبان محددة أو حواجز بأكملها" حسب أحد المعارضين، كما حصلت هته الوحدات على دعم من قبل الطيران والمدفعية السورية.

خلال المعركة تم دفع المعارضين تدريجياً إلى المنطقة الشمالية من القصير، ومع تضأئل المؤن ضعفت معها معنويات المدافعين، في اليوم الثاني للمعركة، وصلتهم مجموعة تعزيزات من بابا عمرو في حمص، بعدها في يوم 2013.06.02، وصلت مجموعة ثانية أكبر من دير الزور في الشرق و من حلب في الشمال إلا أن هته التعزيزات لم تكن كافية لتغيير كفة المعركة.

في يوم 2013.06.03، عقد إجتماع حضره 17 من قادة المعارضة صوت 14 منهم للانسحاب من القصير، إلا أنهم ما لبثوا و غيروا رأيهم، تم حشر المعارضة في منطقة صغيرة شمال القصير، "10 آلاف شخص في مساحة لا تزيد عن 500 م2" هكذا وصف أحد المقاتلين المدافعين الوضع وقتها، وقال أحد مقاتلي حزب الله الذين حاربوا في القصير "نحن حشرناهم في الجزء الشمالي من البلدة و قمنا بتثبيتهم بنيران القناصة ".

توسط وليد جنبلاط لدى حزب الله من أجل إنسحاب آمن لنحو 400 من المسلحين الجرحى من القصير، فيما قال وفيق صفا، المسؤول الأمني في الحزب، أنهم سيقبلون بأي قرار تتخذه الحكومة السورية، التي رفضت بدورها التفاوض مع المعارضة، لكنه قال إن هناك ممرًا مفتوحا بالشمال.

انتهت المعركة في وقت مبكر من يوم 2013.06.05، عندما قصف الجيش العربي السوري وحزب الله بشكل عنيفًا آخر جيب للمعارضين، وصفه أحد المقاتلين بأنه القصف الأعنف خلال المعركة بأكملها. تدفق بعدها المقاتلون والمدنيون والجرحى شمالاً القصير باتجاه قرى ضبعة وإلى البويضة الشرقية بدلاً من اتباع الممر الآمن إلى القرى، زَعم الفارون من القصير أنهم تعرضوا لهجوم بالرشاشات والهاون وقالوا أنهم تم إطلاق النار عليهم بينما كانوا مارين باحد البساتين، يروي أحدهم أنه زحف عبر أحد الحقول وإستعمل جسم رفيق جريح له كدرع من النيران.

تجنب الفارون الطرقات وتحركوا سيراً على الأقدام حول الزاوية الشمالية الشرقية من لبنان إلى منطقة الحصوية على الطريق السريع M-5 الرابط بين دمشق و حمص قبل أن يتسللوا إلى عرسال بلبنان، التي تعتبر مركزا لوجيستيا للجماعات المعارضة بحمص.

القصير : اختبار لتكتيكات حزب الله الهجومية

كانت المعركة التي استمرت 17 يومًا في القصير، أطول مما خطط له حزب الله كما تسببت له في خسائر كبيرة نسبيا، تتراوح التقديرات بين 70 و 120 قتيلاً وعشرات الجرحى والتي تعتبر أعلى خسائر له منذ حرب 2006، كانت هناك تقارير خلال الحملة حول خسائر الجيش العربي السوري والميليشيات، لكن من غير المعروف العدد الاجمالي لهته الخسائر.

إن نتيجة هته المعركة كانت حتمية بالنظر إلى الموارد اللوجستية الموجودة لدى الاطراف الموالية للحكومة مقارنة بموارد المدافعين عن البلدة، ومازاد الطين بلة لهم، هو بعدها النسبي عن معاقل المعارضة الامر الذي صعب الدعم اللوجيستي والمادي إضافة إلى قرب البلدة من خطوط إمداد حزب الله ومرورها عبر قرى شيعية، ما جعل من بلدة القصير المكان المثالي ليجرب مهاراته المكتسبة في القتال الحضري مدعوما بسلاح الجو و المدفعية السورية.

خلال الثمانينيات والتسعينيات، إتبع حزب الله تكتيكات حرب العصابات في الكر والفر في بيئات ريفية ضد القوات الصهيونية التي كانت تحتل الجنوب اللبناني، كما قاتل في مناطق حضرية خلال الحرب عام 2006 بشكل أساسي في الدفاع وليس الهجوم. يُعتقد أن التدريب على الحرب في المناطق الحضرية بعد عام 2006 يتضمن تكتيكات هجومية ودفاعية لغاية شن غارات مغاوير على الكيان الصهيوني في حالة نشوب أخرى معها.

سمحت القصير لحزب الله بكسب خبرة قتالية من خلال إستعمال هته المهارات، فرغم ان معظم المقاتلين في سوريا هم من قاتلوا عام 2006 ، إلا انه يوجد جيل جديد تم اقحامه في المعارك إكتسب خبرة من الساحة السورية، هته الخبرة في الوسط الحضري ستجعل الجناح العسكري لجزب الله تحديا اكبر خلال اي مواجهة مقبلة مع الكيان الصهيوني.

مابعد القصير

خلال هجوم القصير، اعترف حسن نصر الله بمشاركة كوادره في القتال في سوريا. هذا الاعتراف إضافة إلى النجاح الذي تحقق في القصير مهد الطريق لمزيد من الدعم الصريح والملموس من قبل حزب الله للحكومة السورية، حيث نشر مقاتليه في جنوب درعا، إدلب، حلب وفي ضواحي دمشق.

كما سمح هذا النصر للأسد بالسيطرة على طول الممر الإستراتيجي الرابط بين دمشق وطرطوس إضافة إلى تأثريها الغير مباشر على تلكلخ وإجبار المعارضة على تسليمها بعد عامي من الحصار بعد إدراكها أنها لن تسطيع الصمود ضد الجيش السوري بسبب نقص الامدادات وتوقعهم أن يتبع سقوط القصير هجوم مماثل ضدهم.

بعد انتصاره في القصير، حول الجيش السوري انتباهه لاستعادة آخر جيوب سيطرة المسلحين المعارضين في حمص ذات موقع استراتيجي. ففي 29 - 07 - 2013، أعلنت الحكومة السورية سيطرتها على حي الخالدية المركزي في حمص، الذي ضَّحت المعارضة به من أجل تثبيت مناطق سيطرتها بضواحي العاصمة وشمال حلب.

رغم كل ذلك، هناك بعض الإشارات بإن المعارضة حاولت استعادة البلدة، حيث يقول مقاتلون لبنانيون وسوريون أن الوحدات المنسحبة من القصير أعادت تجميع صفوفها وتموقعت ببلدة في القلمون، زادت إمداداتهم من الأسلحة بعد الاستيلاء في 02 - 08 على ثلاثة مستودعات أسلحة تابعة للجيش السوري في منطقة القلمون، قال أحد المقاتلين السوريين إنه تم إستطلاع منطقة القصير وكاد أن يشن هجوم عليها، إلا أن السقوط المحتوم لحمص و العزلة النسبية للقيصر عن مناطق سيطرة المعارضة حال دون ذلك، إضافة إلى الهجوم المتوقع على القلمون بعد سقوط حمص.

نشاط حزب الله المحدود

لا تزال أنشطة حزب الله في سوريا محدودة وذلك رغم قيادته الناجحة للهجوم على القصير، إلا انه لعب دورا مساندا خلال إشتباكاته الأخرى، على سبيل المثال خلال قتال الشوارع في حمص، لعب اعضاء حزب الله ذوي الخبرة دور ضباط الصف للجنود السوريين الأقل خبرة، فلايمكن للحزب تكرار ما حدث في القصير، وذلك راجع جزئيا لعدم القدرة على تحمل الخسائر البشرية الناجمة عن ذلك والأهم تركيزه على التهديد الصهيوني، ويتضح هذا في الكمين الذي أٌعد لجنود اسرائيليين بإستخدام عبوتين عندما تجاوزوا الحدود اللبنانية لمسافة 400 متر، مايشير إلى اليقظة الدائمة لساحة الصراع التقليدي اللبناني الصهيوني، إلا أنه قد يُطلب منه أخذ دور قيادي في إستعادة بلدات بحجم أو أصغر من القصير.

مصدر (بتصرف)
 
عودة
أعلى